بطولة العالم للاسكواش 2024.. سيطرة مصرية على الجولة الثالثة    محافظة الإسماعيلية تناقش آليات تطبيق رسوم النظافة وتحسين الأوضاع البيئية    استثمار الذكاء الاصطناعي.. تحول العالم نحو المستقبل    تضم ماركات عالمية، جمارك مطار القاهرة تعرض 16 سيارة في مزاد علني    بسبب سرقة الكابلات النحاسية، تعطل حركة القطارات في برشلونة    خلال حفل عيد العمال، مقتل وإصابة 15 شخصا في حادث إطلاق نار بأمريكا (فيديو)    عاجل - "حماس": ملف التفاوض لا بد أن يؤدي إلى وقف إطلاق نار تام وشامل    كاميرون: نشر القوات البريطانية في غزة من أجل توزيع المساعدات ليس خطوة جيدة    قوات الاحتلال الإسرائيلي تداهم عددا من المنازل في بلدة عزون شرق قلقيلية    المصريين الأحرار يُشيد بموقف مصر الداعم للشعب الفلسطيني أمام محكمة العدل الدولية    رئيس الوزراء الإسباني يشيد بفوز الإشتراكيين في إنتخابات كتالونيا    العدو يحرق جباليا بالتزامن مع اجتياج رفح .. وتصد بعمليات نوعية للمقاومة    الدولار الأمريكي الآن.. تعرف على سعر العملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات اليوم الإثنين    كاف يقرر تعديل موعد أمم إفريقيا 2025 بالمغرب    هدف الجزيري يبقى الأمل.. الزمالك يخسر من نهضة بركان 2 / 1 في ذهاب الكونفدرالية    المندوه: التحكيم قيدنا أمام نهضة بركان.. وهذا ما ننوي فعله بشأن حكم الفيديو التونسي    هل يشارك صلاح؟.. تشكيل ليفربول المتوقع ضد أستون فيلا في الدوري الإنجليزي    الكومي: ننتظر تقرير لجنة الانضباط لإخطار الجميع بنتائج أزمة الشيبي والشحات    «الإفتاء» تستعد لإعلان موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات قريبًا    الأمن يحل لغز العثور على جثة شاب أمام وحدة إسعاف في قنا    قضية كلب المذيعة أميرة شنب.. بدأت في كمبوند وانتهت بترحيل زوجها إلى السجن    جهود أمنية لحل لغز العثور على جثة شخص مقتولا بالرصاص بقنا    قصواء الخلالي تدق ناقوس الخطر: ملف اللاجئين أصبح قضية وطن    عزيز مرقة يطرح النسخة الجديدة من «أحلى واحدة» (فيديو)    سيرين خاص: مسلسل "مليحة" أظهر معاناة الشعب الفلسطيني والدعم المصري الكبير للقضية    إقبال الأطفال في الإسماعيلية على ورش الخط العربي (صور)    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد مستشفى الحميات وتوجِّة باستكمال العيادات (صور)    تدريبات خاصة للاعبي الزمالك الذين لم يشاركو في لقاء نهضة بركان    رئيس مجلس الأعمال المصري الماليزي: مصر بها فرص واعدة للاستثمار    تعرف على سعر الفراخ البيضاء وكارتونة البيض الأحمر بعد ارتفاعها في الأسواق الإثنين 13 مايو 2024    أربع سيدات يطلقن أعيرة نارية على أفراد أسرة بقنا    طلاب آداب القاهرة يناقشون كتاب «سيمفونية الحجارة» ضمن مشروعات التخرج    أسامة كمال: واجهنا الإرهاب في بلادنا وتصرفاته لا تشبهنا    مستقبل وطن بأشمون يكرم العمال في عيدهم | صور    الكشف على 1328 شخصاً في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    ليس الوداع الأفضل.. مبابي يسجل ويخسر مع باريس في آخر ليلة بحديقة الأمراء    ارتفاع سعر طن حديد عز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 13 مايو 2024    نقابة الصحفيين: قرار منع تصوير الجنازات مخالف للدستور.. والشخصية العامة ملك للمجتمع    موعد إجازة عيد الأضحى 2024: تحديد أيام الراحة للقطاع الحكومي والخاص    وقوع حادث تصادم بين سيارتين ملاكي وأخرى ربع نقل بميدان الحصري في 6 أكتوبر    وفاة أول رجل خضع لعملية زراعة كلية من خنزير    حظك اليوم برج العذراء الاثنين 13-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. لا تعاند رئيسك    عمرو أديب يعلن مناظرة بين إسلام البحيري وعبدالله رشدي (فيديو)    وزيرة الهجرة تبحث استعدادات المؤتمرالخامس للمصريين بالخارج    قمة سويسرية أوكرانية بدون روسيا.. موسكو: «مسرحية غير مجدية»    رئيس جامعة المنوفية يعقد لقاءً مفتوحاً مع أعضاء هيئة التدريس    بمكونات بسيطة.. طريقة تحضير كيكة الحليب    رئيس جامعة طنطا يتفقد أعمال الانشاءات بمستشفى 900900 في لمحلة الكبرى    هل عدم الإخطار بتغيير محل الإقامة يُلغي الرخصة؟    بشأن تمكين.. عبدالله رشدي يعلن استعداده لمناظرة إسلام بحيري    الأعلى للصوفية: اهتمام الرئيس بمساجد آل البيت رسالة بأن مصر دولة وسطية    أمين الفتوى: سيطرة الأم على بنتها يؤثر على الثقة والمحبة بينهما    جامعة حلوان تعلن استعدادها لامتحانات نهاية العام الدراسي    موعد عيد الاضحى 2024 وكم يوم إجازة العيد؟    محافظ أسوان: العامل المصرى يشهد رعاية مباشرة من الرئيس السيسى    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    في العالمي للتمريض، الصحة: زيادة بدل مخاطر المهن الطبية    منها إطلاق مبادرة المدرب الوطني.. أجندة مزدحمة على طاولة «رياضة الشيوخ» اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضي القمر
قصة استشهاد المقدم محمد مبروك
نشر في الجمهورية يوم 26 - 10 - 2017

عندما عاد محمد بكري إلي القاهرة بعد فترة التدريب التي امتدت لنحو أسبوعين داخل سيناء. التقي مع محمد عفيفي أمير التنظيم ومحمد السيد منصور عضو مجلس الشوري. وكان الاجتماع مخصصًا لبحث الأوضاع التنظيمية المتعلقة بالخلايا العنقودية التي يجري التعامل معها. ومدي استعدادها لتنفيذ عمليات واسعة لاغتيال بعض الرموز خاصة من ضباط الأمن الوطني.
كانت الخطة التي وضعت مسبقًا في البداية تقضي باستقطاب العناصر الذين تتوافر فيهم الشروط لبدء تشكيل الخلايا العنقودية بعد فترة اختبار يتم فيها التأكد من التزام العضو بالبرنامج وتنفيذ التكليفات التي تصدر إليه من مسئوله والتأكد من التزامه بمبدأ السمع والطاعة والاتفاق فكريًا مع رؤية التنظيم والتي تكفر وتسعي إلي التغيير بالقوة للأنظمة التي لا تطبق الشريعة الإسلامية.
وبالفعل بدأت القيادة تمارس دورها. وتبدأ عملية التجنيد في عدة محافظات ومنها خلية المطرية وخلية الجيزة وخلية بلقاس بالدقهلية. وكان هناك شرط يجب علي العضو أن يلتزم به عندما يقع عليه الخيار. وهو أن يقطع جميع علاقاته بجميع الأخوة وأن يغير أرقام هواتفه وألا يؤدي الصلاة في المساجد التي يتردد عليها بعض )الأخوة الملتزمين(. وهكذا بدأت عملية الانطلاقة لينتشر فكر التنظيم في العديد من المحافظات. ويستقطب العشرات من الكوادر المؤهلة للقيام بهذه المسئولية.
وقد تولي محمد السيد منصور )أبو عبيدة( في هذا الوقت المسئولية عن إنشاء خلية الفيوم والتي تم تكوينها في النصف الأول من عام 2013. وفي ظل حكم جماعة الإخوان. وأيضًا تولي مسئولية الإشراف علي خلية التنظيم بمحافظة قنا.
أما خلية المطرية. وهي التي ستلعب فيما بعد الدور الأهم في عمليات الرصد والاغتيال. خاصة محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم. واغتالت المقدم محمد مبروك الضباط بجهاز الأمن الوطني وعملية مسطرد والباسوس. فقد تولي تجنيد أعضائها إلي جانب )أبو عبيدة( المدعو عمر رفاعي والتي ضمت فهمي واسمه الحركي )هاني( وهو يعمل في إحدي شركات الغاز. وسمير واسمه الحركي )شادي( ويعمل مقاول بناء ومحمد واسمه الحركي )كيمو( وهو ينتمي إلي محافظة بني سويف. كما تم تجنيد الحركي )حمكشة( والحركي )عمار( وربيع واسمه الحركي "شيكو" وهو صاحب ورشة حدادة وأسامة سعيد واسمه الحركي )سامح( وهو يعمل مع والده في محل سوبر ماركت. وأنيس إبراهيم واسمه الحركي "نجم" وسعيد شحات واسمه الحركي "هيثم".
وكانت هناك خلية أخري يتولي الإشراف عليها محمد بكري وكنيته "طارق زياد" وتضم عمرو سلطان واسمه الحركي "كريم" وعزت شعبان واسمه الحركي "أبو يوسف".
كانت مهمة محمد عفيفي. أمير التنظيم هي التواصل مع مسئولي الخلايا وإصدار التكليفات العامة للعمليات التي يطلب تنفيذها ضد رجال الجيش والشرطة والقضاء والمسيحيين وأيضًا الإشراف علي عدد من الخلايا المتخصصة التابعة للتنظيم مثل خلية الإعلام. ودورها هو إعداد البيانات والأفلام الوثائقية التي يجري بثها عن العمليات التي يجري تنفيذها. وخلية )المهندسين( ومهمتها تصنيع الدوائر الإلكترونية للتفجيرات. وقد صدرت التعليمات لهذه الخلية بالتجمع في إحدي شقق منطقة الشيخ زايد بمدينة السادس من أكتوبر. وقد نجحوا في التوصل إلي تقنيات متقدمة ومنها ما يسمي بدائرة التليفون المشفرة )الشباك( وهي عبارة عن تفجير يتم من علي بعد من خلال جهاز الموبايل. حيث يتم الاتصال بالتليفون الموصل بالعبوة. ويفتح الخط تلقائيًا. ثم يتم إدخال الشفرة وهي رمز )الشباك( لحدوث التفجير. وأيضًا تقنية أخري. هي )التايمر( وهي عبارة عن ضبط للدائرة للتفجير في وقت محدد.
أما الخلية المتخصصة الثالثة. فهي الخلية الكيميائية وكان دورها عمل التجارب لتصنيع أفضل )صاعق شعبي( للتفجير.. وكان هناك محمد فتحي الشاذلي عضو التنظيم الذي تم تجنيده بواسطة محمد بكري وكنيته )طارق زياد( وهو صاحب مزرعة علي طريق بلبيس باتجاه الشرقية. وقد تم تجنيده في بدايات عام 2013. وبداخل المزرعة بني بيتًا من دور واحد لاستخدامه كمسكن لإيواء المطاردين من عناصر التنظيم. وأيضًا كمخزن للمتفجرات وتجهيز السيارات المفخخة. وكان يلازمه دومًا عضو التنظيم )محمد ربيع( الذي كان مطلعًا علي الكثير من أمور التنظيم في العديد من المحافظات.
وقد بعث التنظيم في هذا الوقت بالحركي "كيمو" صاحب الخبرة في تصنيع المتفجرات ليقيم في المزرعة ويؤدي عمله هناك.
كانت كل الاستعدادات قد اكتملت. غير أن ساعة التنفيذ لم تحدد في هذا الوقت. وكان الاتجاه هو الانتظار قليلًا. ومنح جماعة الإخوان الفرصة لبعض الوقت لتصفية هؤلاء الضباط وإبعادهم عن مواقعهم. خاصة بعد وصولهم إلي الحكم وتولي محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية.
كان المقدم محمد مبروك -الضابط بجهاز الأمن الوطني- واحدًا من أهم كوادر هذا الجهاز. كان مسندًا إليه متابعة جماعة الإخوان في ظل عمله بجهاز مباحث أمن الدولة السابق قبل تفكيكه واقتحام مقراته في كافة أنحاء الجمهورية.
لقد نجح محمد مبروك في تسجيل المكالمات التي تمت بين محمد مرسي عضو مكتب إرشاد الجماعة وبين أحمد عبدالعاطي مسئول التنظيم الدولي للإخوان في تركيا. وهي المكالمات التي أثبت فيها علاقة الجماعة بالأمريكان وأطراف أجنبية أخري عديدة. خاصة قبيل أيام قليلة من اندلاع أحداث الخامس والعشرين من يناير من عام 2001. فكان سببًا في سجن أربعة وثلاثين من قياداتهم في سجن وادي النطرون بتهمة التخابر.
كان محمد مبروك يشعر بجرح غائر بسبب ما آلت إليه أحوال البلاد من أزمات أدت إلي انهيار جهاز الشرطة. وكان في غاية الحزن من حرب الإثارة التي كان يشنها الإعلام ضد هذا الجهاز الذي شكَّل حلمه منذ الصغر. كان يعرف كيف يؤدي رجاله عملهم بإخلاص علي حساب أسرهم وعائلاتهم. وكان يعزُّ عليه أن يشاهد زوجته "رشا" وأبناءه زينة )12 سنة ( ومايا )10 سنوات ( وزياد )6 سنوات(. وهم يسألونه: لماذا أصبح الناس يكرهون رجال الشرطة وعائلاتهم؟
أدرك محمد مبروك يقينًا أن البلاد تتعرض لمؤامرة كبري. وأن هدم جهاز الشرطة هو صنيعة إخوانية صرفة. لكنه كان يعرف أن أحدًا لن يستمع إلي كلماته في هذا الوقت.. كان يقول لأسرته دومًا: "المهم أن تبقي مصر. مهما
كان الثمن. حتي ولو كان الثمن أرواحنا جميعًا".
في هذا الوقت كان محمد مبروك يبلغ من العمر أربعين عامًا. لقد حقق أمنيته في الالتحاق بكلية الشرطة منذ زمن طويل. كان الابن الوحيد والمدلل لوالده مبروك خطَّاب الذي أصيب بالشلل بعد أن كان يعمل مستشارًا للشئون القانونية بوزارة الأوقاف. وكانت والدته الحاجة روحية تحنو عليه كثيرًا وتشعر بأن الله منَّ عليها به بعد طول انتظار. وكانت تعمل مدرسة في هذا الوقت.
كان محمد مبروك مرتبطًا بوالديه إلي أقصي حد. تزوج من الشابة "رشا" التي تعرف عليها بالصدفة. والتي أحبته بكل جوارحها. وتحملت عبء تربية الأبناء. في وقت كان فيه زوجها منهمكًا في عمله منذ الصباح حتي وقت متأخر من المساء.
كانت رشا الأم. تحل مشكلاتهم. وتتابع أحوالهم المدرسية. وكانت بارة بوالدَيْ زوجها. فتتزاور معهما هي والأولاد بشكل مستمر. وحتي في أعياد الميلاد كانت دومًا تصر علي أن تتم في بيت الحاج والحاجة. وكان محمد
مبروك يقول لها دومًا: "أنا ورايا راجل"!!
كانت هموم ومشاغل محمد مبروك كبيرة. كان مخلصًا في عمله إلي أقصي الحدود. وكان رؤساؤه يحمِّلونه دائمًا المزيد من الأعباء» ثقةً فيه وفي إخلاصه. وكانت معرفته بتنظيم الإخوان وعناصره ووعيه بمخططاته تجعله دومًا المرجعية والحجة للكبار الذين كانوا يستمعون إليه بإعجاب منقطع النظير. ويقرأون تقاريره المعلوماتية والتحليلية بنهم شديد.
وكان محمد مبروك طيبَ القلب. يؤدي الصلوات في مواعيدها. ويرقُّ لحال الفقراء الذين يلتقيهم في الشارع.. كانت أجمل لحظات حياته عندما ذهب لأداء فريضة الحج مع والديه وزوجته في عام 2010.
وكانت أصعب اللحظات التي واجهته عندما علم صدفة أن والدته قد أصيبت بالسرطان.. لقد صممت والدته علي إخفاء الخبر عنه. بعد أن جري اكتشاف المرض فجأة ودون سابق إنذار. ساعتها طلبت من زوجها ألا يعلم نجلهما الوحيد محمد بالأمر» لأنها تعرف مدي حبه لها. وقلقه عليها.
عندما علم محمد مبروك بالأمر. ترك كل شيء. وذهب إلي منزل والديه مسرعًا. وظل يحضنها ويبكي. غير مصدق. وكان عاتبًا علي والده أنه لم يبلغه بالمرض. فكانت الأم تخفف من حزنه وتقول له. إنها كانت السبب وراء إخفاء الخبر عنه» خوفًا عليه.
منذ هذا الوقت تسلل الحزن العميق إلي محمد. الذي كان يقول دومًا إنه لا يتخيل لنفسه حياةً من بعد والدته. كان يحرص علي أن يتحدث معها في الصباح والمساء. وكان يقتنص بعض الوقت ويذهب لزيارتها بين الحين والآخر. ومتابعة حالتها الصحية.
ولم يكن الأب بأحسن حالًا. فقد أصيب بالشلل منذ فترة وظل قعيدَ المنزل. لا يخرج إلي الشارع إلا فيما ندر.
***
كان محمد مبروك يداوم علي لقاء صديقه المقدم محمد عويس الذي كان رئيسًا لوحدة مرور الوايلي في هذا الوقت.. لقد جمعتهما علاقة صداقة وأخوة منذ التحاقهما بكلية الشرطة.. لقد كان المقدم محمد عويس دائمَ التطلع إلي المال والسلطة. وكان دائمًا يقول للمقدم محمد مبروك: "انت بتتعِب نفسك زيادة عن اللزوم. ولا أحد سيقول لك شكرًا.. شوف مصالحك أحسن".. وكان مبروك يوجه له اللوم دومًا علي كلماته.
كانت علاقات المقدم محمد عويس متعددة بحكم عمله رئيسًا لوحدة مرور الوايلي. حيث يتوافد إليه يوميًا العشرات من علية القوم. وكان تامر العزيزي واحدًا من هؤلاء الذين تعرفوا إلي المقدم محمد عويس. وتوطدت بينهما صداقة كبيرة.. لقد عرف تامر نقطة ضعف المقدم عويس. فبدأ يُغدق عليه الهدايا ويقدمها إليه في مناسبات متعددة نظير خدمات محددة. ورويدًا رويدًا. بدأ يصطحبه لحضور دروس دينية في أحد المساجد المقربة من الجماعة.
وقد كان تامر العزيزي عضوًا في التنظيم. لكنه كان من المجموعات التي سُمح لها بالتحرك العلني والتعامل مع العناصر التي يحتاج إليها التنظيم في تسهيل بعض الأمور. والسعي تدريجيًا إلي تجنيدها وضمِّها.
وكانت هناك علاقة تنظيمية تربط بين محمد بكري وتامر العزيزي. وفي هذا الوقت التقي تامر العزيزي مع المقدم محمد عويس وبحضور محمد بكري في منزل صديقه محمد خليل في التجمع الخامس. وقد جري الحديث في هذا الوقت علي ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية.
توثَّقت عُري العلاقة بين محمد بكري والمقدم عويس. وتكررت الزيارات بينهما بمقر وحدة مرور الوايلي. ثم جري ترتيب لقاء آخر بينهما عن طريق تامر. وفي هذا اللقاء فاتحه محمد بكري بأنه يريد اصطناع أوراق لسيارة تم تهريبها من ليبيا مقابل مبلغ من المال.. إلا أن عويس رفض التورط في هذه المشكلة.. كان المقدم عويس يواصل التردد بشكل مكثف علي أحد المساجد بالقاهرة الجديدة لتلقي الدروس الدينية. وبدأ يقتنع بفكرة تطبيق الشريعة عبر الطريق الديمقراطي. عبر جماعة الإخوان التي كانت قد وصلت إلي الحكم في هذا الوقت. وكان دائم الدفاع عن وجهة نظره وسط المتشددين من الذين كان يتحاور معهم.
وفي ديسمبر 2012 التقي محمد بكري مجددًا بالمقدم عويس في مكتبه ودار نقاش مطول بينهما حول تطبيق الشريعة. والطائفة الممتنعة. وأثناء احتساء الشاي. أفصح طارق أنه يقوم بجمع معلومات عن ضباط بجهاز أمن الدولة السابقين الذين عملوا في عهد مبارك وخص منهم بعض الأسماء مثل: وائل مصيلحي ومحمد محمدين وأحمد سامح.
وعلي الفور قام محمد بكري بعرض صورهم التي يحتفظ بها علي هاتفه النقَّال علي المقدم محمد عويس. وطالبه بالمساعدة في معرفة أرقام سياراتهم وماركاتها وعناوينهم مقابل مبلغ مالي كبير.
تردد المقدم عويس في الإجابة. إلا أن محمد بكري استطاع إقناعه بأن هؤلاء كانوا يعادون الدين ويعذِّبون الشباب المسلم. فقبل التعاون معه. ووعده بمعرفة عناوينهم وإبلاغها إليه. وقبيل أن ينصرف عرض محمد بكري عليه صورة المقدم محمد مبروك. وهنا فوجئ المقدم عويس. وتساءل عن سبب جمع المعلومات عنه. فظل محمد بكري يشرح له. كيف أوقع مبروك بكبار قادة الإخوان. والخطر الذي بات يشكله في الوقت الراهن علي الحركة الإسلامية بأسرها..
قال المقدم عويس: "أنا أعرف مبروك جيدًا. ولي علاقة شخصية به. ولكن لن أتورط في أذيته".
صمت الإرهابي محمد بكري. لم يعلِّق علي كلماته. سوي بالقول: "احنا بنحمي ديننا ونحافظ عليه. وعمومًا الخيار لك".
قال المقدم عويس: "ولكن مبروك أقلع عن ذلك".
فقال طارق: "بل هو مازال مستمرًا في الجهاز حتي الآن. ويُعَدُّ من الطائفة الممتنعة الواجب قتالها".
كان المقدم محمد عويس قد فقد الأمل في إمكان تطبيق الشريعة الإسلامية عبر الطريق الديمقراطي. خاصة أنه رأي بأم عينيه كيف يراوغ محمد مرسي وجماعته في رفض تطبيق الشريعة كما وعدوا بذلك طيلة تاريخهم.
لقد وصل المقدم محمد عويس إلي القناعة الكاملة في هذا الوقت بضرورة مقاتلة الطائفة "الممتنعة" واستباحة كل المحرمات من أجل الوصول إلي هذا الهدف وتحقيقه. ولذلك عندما طلب منه الإرهابي محمد بكري تبديل لوحات مرورية بأخري استجاب له علي الفور. رغم أنه يعرف أن ذلك يتم بهدف تنفيذ عمليات إرهابية ضد آخرين. وعندما طلب منه الكشف عن رقم سيارة. أجابه سريعًا أنها ملك لشخص مسيحي.
كان محمد عفيفي قد أصدر تعليماته لمجموعة المطرية. ومعها بعض العناصر الأخري من مناطق مختلفة. بسرقة سيارات المسيحيين وتغيير لوحاتها المعدنية» لتنفيذ العمليات الإرهابية بها. وبيع البعض منها للصرف علي كوادر التنظيم. وكان محمد عويس يساعد كوادر التنظيم -الذين تعرف إليهم- ويمدُّهم بكل ما يحتاجونه.
بعد سقوط الإخوان وانهيار حكمهم وعزل محمد مرسي بإرادة شعبية وانتشار أحداث العنف بعدها. بات محمد عويس علي قناعة بأن تطبيق الشريعة لن يتم إلا بالقوة.. ومع تكرار اللقاءات التي جرت معه. وافق بالفعل علي الانضمام لتنظيم "أنصار بيت المقدس" خارج سيناء. وأصبح مطيعًا ومنفذًا لأهدافه وتعليماته. وكانت الأموال تتدفق عليه بغزارة من عناصر التنظيم.
في الموعد المحدد للقاء. كان المقدم عويس يحمل معه كل المعلومات التي طلبها الإرهابي محمد بكري عن ضباط الأمن الوطني بمن فيهم المقدم محمد مبروك.. لقد قدم له المقدم عويس كافة المعلومات عنه. وتحديدًا: عنوانه الحالي في مدينة نصر. وأرقام هواتفه. وماركة سيارته ولونها ورقمها. ومواعيد خروجه وعودته. وصورته أثناء إفطار جماعي لدفعة خريجي كلية الشرطة. مع أنه كان علي يقين بأن محمد مبروك أصبح هدفًا للتنظيم.
سعد محمد بكري كثيرًا بهذه المعلومات. كانت التعليمات الصادرة إليه من محمد عفيفي تقضي بالتركيز علي محمد مبروك. بعد أن جاءت التعليمات من داخل السجون. تقول: يجب التخلص منه. باعتباره الشاهد الوحيد في قضية التخابر» حيث قدم العديد من المعلومات والأدلة لنيابة أمن الدولة التي تولت التحقيق في هذا الملف. ومَثُل أمامها في التحقيق لثماني مرات. إلا أن التعليمات صدرت في هذا الوقت بإعداد خطة عاجلة لاغتيال وزير الداخلية
اللواء محمد إبراهيم انتقامًا لأحداث اعتصام رابعة العدوية. وكانت الخطة معدة من زعيم جماعة أنصار بيت المقدس )أبو عبدالله( شخصيًا.
كان )أبو عبدالله( قد نقل نشاطه من سيناء إلي محافظة الإسماعيلية في أبريل 2013. استقر في مكان قريب من طريق مصر - الإسماعيلية. وكانت هناك خلية تشرف علي أمنه ومقابلاته الخاصة مع قيادات التنظيم. ومن بين المقربين إليه شخصين أحدهما اسمه الحركي "شريف" والآخر اسمه الحركي "مصطفي". وهما ضابطان سابقان في الصاعقة تم فصلهما من القوات المسلحة. وكان الثالث يدعي "ياسر" وشخص آخر "أبو محمد" وعدد آخر من كوادر التنظيم.
كان هناك تنسيق واضح بين جماعة أنصار بيت المقدس وتنظيم "كتائب الفرقان" والمسئول عنها شخص يدعي "أبو أحمد". وكان يفرض علي الأعضاء في هذا الوقت قراءة عدد من الموسوعات الأمنية والفقهية منها "موسوعة أبو زبيدة" والموسوعة الأمنية وأمن التنظيمات لعبد الله بن محمد. ودراسة فقه الجهاد علاوة علي التدريبات العسكرية للتنظيم في سيناء.
كان مسئول التنظيم العسكري للتنظيم خارج سيناء هو "محمد منصور" أبو عبيدة. وكان اختيار الكوادر التي يجري تدريبها علي الأعمال العسكرية في سيناء تتم بموافقته الشخصية. حيث تتم المقابلة في العريش. ويجري تغمية الشخص المتوجه للتدريب إلي المكان المحدد داخل سيناء.. بعد اندلاع ثورة الثلاثين من يونيو وانحياز الجيش إلي الشعب. أصيبت التنظيمات المتطرفة بحالة من الهلع والصدمة. وأدركوا أن المواجهة لن تقتصر علي تنظيم جماعة سالإخوان" وإنما ستمتد المطاردات الأمنية إليهم أيضًا. بدأوا الاستعداد للمواجهة علي الفور. وراحوا يعدون أنفسهم ويقومون بتخزين الأسلحة استعدادًا للمواجهة وتنفيذ العمليات الإرهابية ضد بعض الشخصيات..
كان المقدم محمد مبروك قد عاد في هذا الوقت إلي المقر الرئيس لجهاز الأمن الوطني بمدينة نصر. بعد أن تم نقله إلي مقر الجهاز في مدينة 6 أكتوبر أثناء فترة حكم الإخوان وإبعاده عن تخصصه. فقد تم إلغاء قسم التنظيمات الدينية داخل الجهاز. فغابت العديد من المعلومات المهمة عن الجهاز لمعرفة ومتابعة العناصر المتطرفة.
كان محمد مبروك يدرك أن عمر جماعة الإخوان في الحكم سيكون قصيرًا. وكان يدرك أيضًا أن خيرت الشاطر يترصد به ضمن عدد من الضباط الآخرين الذين كانوا مسئولين عن نشاط التنظيمات الدينية. وفي المقدمة منها جماعة الإخوان..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.