فى عام قبلت مصر انفصال السودان عن مصر واعترفت بها جمهورية مستقلة بعد أن خطى السودان الخطوة الأخيرة فى طريق الانفصال بإعلانه الجمهورية السودانية فى ديسمبر ثم إعلان استقلال السودان رسمياً فى أول يناير دون استفتاء ودون تقرير للمصير وشكل مجلس سيادة سودانى لرئاسة الدولة ولم تر مصر فى ذلك الوقت أن هناك مجالاً للوقوف ضد رغبة السودان فى الانفصال. وكانت مصر وبريطانيا قد اتفقتا على حكم ذاتى للسودان يعقبه تقرير المصير بعد فترة ? سنوات كفترة انتقالية تمهد لانهاء الإدارة الثنائية وتصفيتها وخلال تكون سيادة السودان للسودانيين حتى يتم تقرير المصير,وجرت عدة خطوات استلزمتها هذه الاتفاقية بينها تكوين لجنة للانتخابات ولجنة للسودنة تقوم بإحلال السودانيين محل المصريين والبريطانيين فى مختلف الوظائف وعلى أن تنسحب القوات العسكرية المصرية والبريطانية من السودان فى غضون ثلاثة شهور من صدور قرار البرلمان السودانى برغبته فى اتخاذ تدابير تقرير المصير. رغم ان الحزب الوطنى الاتحادى برئاسة إسماعيل الأزهرى هو الذى فاز بالأغلبية الساحقة فى الانتخابات التى جرت فى يناير وتشكيله لمجلس الوزراء لأول وزارة سودانية إلا أنه سرعان ما تخلى فى نهاية ذلك العام عن الاتحاد مع مصر التى فاز على أساسها بالأغلبية الساحقة فى أول انتخابات سودانية وقرر حزبه التخلى عن الاتحاد مع مصر وأخذ يفسر اسم حزبه كحزب اتحادى بأنه يعنى اتحاد قبائل السودان. وعندما تم فى نوفمبر جلاء القوات المصرية السودانية عن السودان، رأى الأزهرى وحكومته أن الاستفتاء لم تعد له ضرورة فأعلنت الجمهورية فى ديسمبر وتلاها إعلان الاستقلال فى أول يناير دون استفتاء أو تقرير للمصير. وهكذا انتهى حكم الوحدة بين مصر والسودان الذى كافحت من أجله أجيال عديدة على امتداد شطرى الوادى فى مصر والسودان. وعلى صحفات "الجمهورية" فى يناير كتب أنور السادات مقالاً يهنيء فيه السودان تحت عنوان "إلى أهلى فى السودان" يقول فيه?: "?يا خالى وولد الخال أهنئكم من صميم قلبي وأدعوكم لكى نحقق حياة جديدة على ضفاف النيل، ينعم فيها الناس كافة بالأمن وبالفرص الكريمة نحو مستقبل مشرف وأحسن وأخيراً أدعوكم لكى نقف مع الشقيقات العربية فى وجه وصاية الرجل الأبيض,واستعمار الرجل الأبيض,واستغلال الرجل الأبيض. ودخل السودان بعد ذلك مرحلة أخري لم يعرف فيها الاستقرار بين انقلابات متتالية وحروب متصلة اهمها بين الشمال والجنوب انتهت بانفصال الجنوب عبر استفتاء كانت نتيجته محسومة مقدماً ولم تعرف العلاقة بين الشمال والجنوب وحتى الآن أوضاعا مستقرة. لماذا أكتب هذه الكلمات الآن المناسبة واضحة وهى استفتاء الانفصال الذى جرى أمس فى إقليم كردستان ومقارنة بين الأمرين وردود الأفعال بعدها ونجد أن الاستعمار لعب هناك فى السودان وهنا فى كردستان دوراً رئيسياً فى التحريض على الانفصال فقد كرست بريطانيا كل جهدها فى الأضرار بأى أمل لقيام الوحدة بين مصر والسودان وساعدت أخطاء مصرية تراكمت منذ القرن التاسع عشر مع التآمر البريطانى على الوصول إلى هذه النتيجة أما فى كردستان فقد لعب الاستعمار الأمريكى دور اً هاماً فيما وصلنا إليه بداية من فرضه الحماية على هذا الإقليم منذ أيام صدام ثم الاستعمار الإسرائيلى الذى يطمح إلى لعب دور هام فى كردستان يعيد إحياء حلمه "من الفرات إلى النيل?" .. ?ولعل هذا يفسر ظهور الإعلام الإسرائيلية جنباً إلى جنب مع إعلام الانفصال التى يرفعها أبناء الإقليم الذى تغلغلت فيه إسرائيل وموسادها بما فيه الكفاية وقامت بإعادة تصدير عائلات يهودية من أصول عراقية تشترى الأراضى فى الإقليم ليكون لها موطئ قدم كما ان كل من حول الأقليم يعارض الانفصال بما فى ذلك أمريكى التى حمته منذ أيام صدام إلا إسرائيل فانها الدولة الوحيدة التى تساند هذا الانفصال وتؤيده صراحة?.? ولا شك أن الاستفتاء ونتيجته لا يمكن أن تقبلهما العراق ولا دول الجوار التى تتصل بالمشكلة الكردية وتعانى جميعها تبعات ما سوف يحدث وعلى رأسها تركيا وإيران وسوريا وعلينا ان نتوقع حالة متواصلة من عدم الاستقرار فى المنطقة ستكون إسرائيل أول المستفيدين منها ولن يهدأ الأمر للانفصاليين الأكراد فسوف يعانون بكل تأكيد حصاراً عراقياً كما سيواجهون مشكلات لا حصر لها فهناك نحو ? ألف كردى يعملون فى الحكومة المركزية فى بغداد ومن المؤكد أن هؤلاء سوف يضافون إلى أعداد العاطلين فى إقليم كردستان ليسهموا فى ارتفاع نسبة البطالة التى تبلغ الآن نحو .. ?كما ان حصار بغداد للإقليم سيحجب عنه ? من ميزانيته كانت تصله من الحكومة المركزية بما يرفع خسائر الدخل للإقليم إلى نحو مليار دولار والأمر على أى حال لا يقتصر على الخسائر المادية للإقليم، فإن احتمالات نزاع عسكرى قائمة وبشدة خاصة حول كركوك الغنية بالنفط وذات الأغلبية التركمانية والتى تعتبرها القيادة الكردية قدس أقداسها وقد علت فى الفترة الأخيرة الأصوات المطالبة بالخيار العسكرى ضد إقليم كردستان وضد البشمركة والتى تنادى كذلك بطرد الأكراد من كركوك ومن كل المناطق المتنازع عليها وكذلك من باقى مدن العراق واعتبارهم رعايا دولة أخرى كما حدث للجنوبيين فى شمال السودان وسيستتبع هذا بلا شك حصار اقتصادى من العراق ودول الجوار لإقليم كردستان يشمل حصاراً جوياً يحول بين الإقليم والخروج إلى العالم الخارجي فى الوقت نفسه لن يمكن لهذا الإقليم أن يدخل الأممالمتحدة فالأمين العام للأمم المتحدة وصف الاستفتاء بأنه غير شعرى ويخالف نصوص دستور العراق وكل هذا يجعل من الصعب التنبؤ بمصير هذا الإقليم ان تمسك الأكراد بإعلانه دولة مستقلة سوف تكون مرفوضة من العراق ومن دول الجوار التى ينتشر فيها الأكراد وكذلك من المجتمع الدولي فضلاً عن باقى الدول العربية وعلى رأسها مصر التى رفضت على لسان وزير خارجيتها سامح شكرى هذا الاستفتاء ونتائجه كما عبر سفيرنا فى بغداد علاء موسى عن موقف مصر الثابت المؤيد لوحدة العراق وسلامته وكل هذا يجعل هذا الاستفتاء ونتائجه بمثابة قفزة إلى المجهول وربما كان الأفضل منه بلا شك التوصل إلى حلول مع العراق فى إطار ربما تمكن الإقليم من حكم ذاتى واضح ومعترف به يضمن له الحفاظ على هويته كما يريد دون الاخلال بوحدة العراق.