العدالة الاجتماعية هي اساس حرية الإنسان وعليها تقوم الحضارة في بنائها القوي المتين فإذا اختلت تلك العدالة وصارت أنقاضًا فلا حضارة بإنسانها الحر. لذلك كان المصري يجأر بالشكوي غاضبا إذا وقع عليه الظلم الاجتماعي يلجأ إلي الحاكم كي يعيد اليه حقه. وإذا لم يلب الحاكم ويسمع صوته يشكوه إلي الفرعون "ابن الإله". وهنا نذكر شكوي الفلاح الفصيح "خون إنبو" الذي عاش ما بين عصر الاسرتين التاسعة والعاشرة "2134 2040 قبل الميلاد" ذلك الفلاح الذي خرج يمتطي حماره وعليه بعض ممتلكاته قاصدا العاصمة "اهناسيا" كي يقايض ممتلكاته لشراء الطعام فيخرج عليه رجل من الأقوياء اتباع الحاكم فيدبر له مكيدة وأخذ حماره وما معه فيذهب الفلاح إلي رئيس البلاط "مرو بن نسي" يطالبه بالعدل ونصرته في شجاعة أدبية سجلتها أربع برديات قالها في تسع مرات حتي علم بها الفرعون "نب كاورع" الذي يعجب بشجاعته وفصاحة لسانه فيأمر بعودة حقه المسلوب وإرساء قواعد العدل الذي هو أساس الملك ولنتأمل المعاني السامية التي جاءت علي لسان الفلاح الفصيح. يقول الفلاح الفصيح في المرة الأولي يارئيس البلاط سيدي. عظيم العظماء ورئيس الجميع: * عندما تبحر في بحيرة الحق فلتشرع سفينتك برياح ملائمة. ولا يتمزق لك شراع ولا تضل سفينتك ولا يحدث مكروه لساريتك ولا تنكسر عوارض ساريتك لأنك أب اليتيم وأخ للمطلقة وساتر من لا أم له. * أيها الرئيس الخالي من الجشع. أيها العظيم المترفع عن الصغائر أنت الذي يقاوم الجشع ويقيم العدل الذي يأتي لصيحتي التي يرددها فمي أنا ذا أتكلم فاسمع: أقم العدل. ارفع المعاناة عني فأنا مثقل بالهموم وبسببها أنا ضعيف تفحصني وانظر: أنا في بؤس. ويقول في المرة الثانية يارئيس البلاط العظيم: يا دفة السماء يا سارية الأرض وخيط المطمار أيتها الدفة لا تسقطي. أيتها السارية لا تميلي يا خيط المطمار لا تهتز. هل يأخذ السيد الكبير شيئا ممن لا سيد له ويسرق العزل؟ من يمت يمت مع خدمه معًا. أتريد أن تكون من أهل الأبدية؟ أليس العار أن الميزان مائل؟ والمطمار مهتز. ومقيم العدل منحرف؟ انظر ها هو العدل يرزح تحت ثقلك مشرد من مكانه فالمسئولون يتسببون في الويلات وما يجب حسابه ينحي جانبًا والمحققون يقتسمون المسروقات أي أن من عليه وضع الأمر في نصابه يحرفه ومن عليه إعطاء الهواء "النفس" علي الأرض يسلب الأنفاس. ومن يقم بالقسمة سارق ومن عليه مكافحة الفقر يزيده والبلد بلا حول تغرق في بحره انظر هذه مدينتك مرتع للتماسيح ومن عليه محاربة البؤس يتسبب في الكوارث. متي تشعر بقبح العفو عن المجرم؟ آه ياسيدي متي تعود لصوابك؟ ثم يقول الفلاح الفصيح في المرة الثالثة * أوقف السارق واحم الفقير وكي تتمني لنفسك الثبات من النفس تحقيق العدل فهواء الأنف هو إقامة العدل إن توازن الأرض هو اقامة العدل فلا تنطق بالكذب لأنك عظيم عاقب السارق الأمان منعدم في البلاد.