وضع علماء الأمة للفتوي ضوابط وقواعد وآداب. وأوجبوا علي المفتين مراعاتها عند القيام بالنظر في النوازل والمستجدات. رعاية لمقام الفتوي العالي من الشريعة. وإحاطة له بسياج الحماية من عبث الجهلة والأدعياء. وهناك فرق بين فقه التيسير -في الشريعة- المبني علي اليُسْر ورفع الحرج. والمنضبط بضوابط المعقول والمنقول. وبين منهج المبالغة والغلو في التساهل والتيسير واتباع الرخص وشواذ الآراء. أو التصدي لمسائل وقضايا لا تتناسب مع طبيعة العصر. ولا تنسجم مع النفس الإنسانية السوية. حتي لو وجدنا لبعض هذه المسائل في كتب التراث علي سبيل التمثيل او الافتراض. لا ينبغي لمن يتصدي للإفتاء - تحت ضغط الواقع - أن يضحي بالثوابت والمسلمات. أو يتنازل عن الأصول والقطعيات بالتماس التخريجات والتأويلات التي لا تشهد لها أصول الشريعة ومقاصدها. كما أن الرخص الشرعية الثابتة بالقرآن والسنة لا بأس بالعمل بها لقول النبي - في الحديث الصحيح : ¢ان الله يحب أن تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتي عزائمه¢. ولكن تتبع رخص المذاهب واعتماد الفتاوي الشاذة منهج خاطئ. بتنزه عنه العالم الثبت والمفتي المتمكن. ولا يصح الترويج للأقوال الضعيفة. والشاذة. والمرجوحة. والمبثوثة في كتب التراث. وطرحها علي الجمهور. فهذا منهج يخالف ما عليه أهل السنة والجماعة الذين أجمعوا علي ترك العمل بالأقوال الشاذة. ان الفقهاء قالوا بوجوب الحجر علي السفيه الذي يبدد ماله ولا يصرفه في مساراته الصحيحة. وكذلك الحال بالنسبة لمدعي الإفتاء يجب الحجر عليه. لأنه مستهين بالعلم متبع للهوي. غير ملتزم بما ورد في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة وبما أجمع عليه المسلمون. ولم يراع أصول الاستنباط السليم. كما أن التقدم التقني وشيوع وسائل التواصل الاجتماعي شكَّل صعوبة بالغة في إمكانية السيطرة علي ضبط الفتوي. وصعَّب علي طالب الفتوي القدرة علي فرز الغث من السمين من بين ما يقال. وأصبح هذا الوضع يشكل عبئًا كبيرًا علي العلماء الذين يؤدون رسالتهم بإخلاص وخشية من الله سبحانه. لا يخافون أحدًا سواه. ولا يبيعون دينهم ولا يتاجرون بعلمهم. ومن المؤسف أن حدث بالفعل انفصال بين مقاصد الشريعة الإسلامية. وبين ما نعيشه علي أرض الواقع. ونحن نعتقد أن الواقع والعرف لا بد أن يُراعي في فقه الأحكام الشرعية. لكي لا يحدث انفصال بين الواقع وبين الشرع. ان الأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الاسلامية ومعهم دار الإفتاء ومرصد الازهر العالمي للرصد والفتوي الالكترونيةپدائماً ما ينصحون المسلمين استشعاراً للمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالي. ومنتسبوهم لا تغريهم ولا تفتنهم الأضواء والإعلانات. كما أنه ليس كل المنتسبين للأزهر يعبرون عن صوته. فبعض ممن ينتسبون إلي الأزهر الشريف يحيدون عن منهجه العلمي المنضبط. ونحن نقول للمسلمين: "إن الأزهر الشريف ليس مسؤولًا عن هؤلاء الشاردين عنه". والهيئات المخولة بتبليغ الأحكام للناس أو بيان الحكم الشرعي فيما يُثار من قضايا أو مشكلات تواجه المجتمع علي أساس شرعي هي: الهيئة الكبري هيئة كبار العلماء. ومجمع البحوث الإسلامية. ودار الإفتاء ومرصد الازهر العالمي ولا يكون ذلك لفرد أو أفراد. وليس للمسلم أن يختار الحكم الشرعي بمزاجه مستفتيًا قلبه. لأنه من المعلوم أن الإنسان يميل قلبه إلي ما يحقق له رغباته ومصالحه الشخصية. وإذا كان كل شيء سيستفتي فيه المسلم نفسه. فماذا نصنع بقول الله تعالي: "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"؟! وأين نضعه؟ ومن هنا ندرك ضرورة الحَجْر علي أصحاب الفتاوي الشاذة. لأنها تضر المجتمعات. منوهًا إلي أن الدستور والقانون خَوَّلَ لهيئة كبار العلماء الاختصاص بالبت في القضايا الشرعية. وفيما قد تختلف فيه دار الإفتاء مع مجمع البحوث من أحكام شرعية. وهذا موجود في كل العالم الذي يحترم العلم والدين والفقه. ولا يَعرِض أحكام الدِّين كسلعة تعرض في البرامج والسهرات التليفزيونية.