تعاني مجتمعاتنا اليوم من التِّيهِ جراء ما يمكن أن نسميه ب "الفقهِ العَبَثيِّ" - إن صحَّت هذه التسميةُ-پ ذلكم الفِقْه الذي يطرُقُ أسماعَ الناس ليلًا ونهارًا. ويُطاردُهم حيثما كانوا. ليردَّهم لا إلي يُسري في الشريعةِ ورحمة في القرآنِ والسُّنَّةِ» وإنَّما إلي أخلاطي من الآراءِ المُتشدِّدةِ التي قيلت في مناسباتي خاصَّةي. وتحت ضغط ظروفي طارئةي. ليس بينها وبين واقعِ الناسِ الآنَ صِلةى ولا نَسَبى . أو تلك الفتاوي المتسيبة التي تحلل الحرام وتحرم الحلال دون تأصيل أو تنظير علمي . وقد وَجَدَ هذا الفقهُ العبثيُّ كتائبَ موازيةً من أشباه المُفتينَ» نَجَحوا - للأسفِ الشديدِ!- في أن يتغلَّبوا علي كثيري من دُورِ الإفتاءِ في عالَمِنا العربيِّ. وأكادُ أقولُ : علي كلِّ مَجامِعِ الفقهِ والتشريعِ ولم يكن هذا النجاحُ أو هذه الغَلبةُ بسببي من عقلانيَّةِ هذا الفقهِ أو يُسرِه. أو قُدرتِه علي جعلِ الحياةِ أيسرَ ممَّا هي عليه . وإنَّما بلغَ هذا النجاحُ ما بلغَ بالقدرةِ علي الانتشار والنزولِ إلي الناسِ ودُخولِ البيوتِ في القُري والكُفُورِ. عِلاوةً علي اعتلاءِ بعض المنابرِ . والتحدُّثِ إلي الناسِپ بما يُريدون. في الوقتِ الذي ظلَّت فيه فتاوي دُورِ الإفتاءِ. وفتاوي المَجامِعِ ولجانِ البحوثِ الفقهيةِ. فتاوي فرديَّةً راكدة. مقصورةً علي المُستفتي. أو حبيسةَ مُجلَّداتي عِلميَّةي لا يفيد منها ملايين الجماهير مِن المسلمين. أو رَهْنَ مؤتمراتي يُحدِّثُ فيها بعضُنا بعضًا. ونتواصَي في نهاياتِها بما شاءت لنا أحلامُنا من آمالي وأماني لا تَجِدُ من المُختصِّين مَن يرعاها أو يتابعُها أو يسعي إلي تنزيلِها علي واقعِ الناسِ. ففي مقابل الفتاوي المتشدِّدةِ التي تقوم علي القتل والذبحِ وأكلِ أموال الناس بالباطل والإفساد في الأرض نجد من أولئك أيضا من يطالعوننا بشكل يومييّ أو شِبه يومييّ علي شاشات الفضائيات ويغزون البيوت والعقول بفتاوي وتأويلاتي خاطئةي بعيدةي كل البعدِ عن الإسلام وتعاليمه السمحة التي ما جاءت إلا لإسعاد البشريَّة وتنظيم الحياة الإنسانيةِ بما يحفظ كرامة الإنسان . مهما اختلفَ جنسُه أو لونُه أو عرقُه أو معتقدُه ويؤكد حقَّه في حياة آمنةي وكريمةي . إن الفتاوي المتشددةَ التي تجعل من المستحبِّ فرضًا إلي جوار الفتاوي المتسيِّبة التي تُبيح الحرامَ. انتشرت ليستْ بسبب ما تتضمنه مِن تراكمي علمييّ أو تنظيري أو تأصيلي. وإنما لأن وراءها من يحركها وينفق عليها من المتشددين والمتسيبين. كما أن وراءها قنواتي تدعمهم. وهي في الوقت ذاته مسألة ارتزاقي. فهناك مَن يسمحُ له ضميرُه بتخريب الشريعةِ الإسلاميةِ ما دام يسترزقُ من وراءِ ذلك. إنَّنا في الأزهرِ الشَّريفِ لسنا مسئولين عن ما يبثُه هؤلاء وأولئك من فتاوي وآراء مغلوطةي ومسمومةي. كما أنَّنا لسنا مسئولين أيضًا عن كلام أييّ شخصي يكون أزهريًّا أو يلبس زِيَّ الأزهر خارج دائرة مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء» إذ لا يصح أنْ يكون الأزهر سلعةً تُعرض كي تجذبَ مشاهدين أو إعلانات. وإذا كان يحدثُ هذا فهو شيءى محزنى ومؤلمى. ويدلُّ علي أنه لا يوجد هناك أي انضباطي لا علي مستوي الكلمة ولا علي مستوي المسئولية عن هُموم هذا الوطنِ . وإنَّني أدعو شبابَ الوعظ إلي الإكثار من القراءة المتأنِّيةِ والواعيةِ لكتبِ التُّراثِ والإلمامِ الواسعِ بمختلفِ الآراء الفقهيَّة التي تشغلُ حياةَ الناس وتَلمسُ همومَهم بالدَّرجة الأُولي خاصةً تلك القضايا المستجدةَ والمثَارةَ علي السَّاحة. كما أدعو الشُّعوبَ العربيَّةَ والإسلاميَّةَ إلي أنْ تكون علي قدري من الوعي الذي يساعدها علي لفْظِ مثلِ هذه العناصرِ ذات العقول الخَرِبة التي تسعي لتشويهِ صورةِ الإسلامِ وهو منهم بَراءى.