هذه هي نصيحة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر لترامب وكل المؤسسات التي تسهم في اتخاذ القرار في واشنطن.. المحافظة علي تنظيم داعش والحرص علي استمراره موجوداً وقائماً وعدم التورط في تصفيته والقضاء عليه.. لأن الاجهاز علي هذا التنظيم في رأي كيسنجر كارثة سياسية للولايات المتحدةالأمريكية تتمثل في زيادة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والعديد من الدول العربية! وكأن أمريكا لم تفتح أبواب العراق بغزوها له أمام النفوذ الإيراني فيه! ودون الدخول في مناقشة جوهر هذه النصيحة التي جاهر بها هنري كيسنجر علنا. فإن شكوكنا في جدية أمريكا في محاربة الإرهاب تتزايد وتكبر وتتسع.. فإن كيسنجر ليس بالشخص الأمريكي المعادي وهو لا يهزي بما قاله حول المحافظة علي بقاء تنظيم داعش وإنما يقول كلاما يدرك كل تبعاته وما سيترتب عليه وفكر فيه بالقطع كليا قبل أن يقوله. إذن أمريكا التي أعلنت في عهد أوباما تشكيل تحالف دولي لمحاربة الارهاب بشكل عام وتنظيم داعش بشكل خاص. ثم أعلنت في عهد خلفه ترامب أن المهمة الأولي عالميا للإدارة الأمريكية هي محاربة الإرهاب.. وانقاذ العالم من شروره.. أمريكا هذه اذا طبقت نصيحة هنري كيسنجر سوف تخذل هذا العالم وكل من راهن عليها في مساعدته ودعمه في مواجهة الإرهاب.. فإن جوهر نصيحة كيسنجر "بعض الإرهاب يفيد أمريكا.. ولأن هذه النصيحة جاءت من شخصية بوزن كيسنجر فمن المؤكد أنها سوف تجد اذانا مصغية في واشنطن. خاصة من الرئيس ترامب الذي يري في إيران عدوا حتي بعد أن تلكأ والأغلب تراجع في إلغاء الاتفاق النووي معها. وبالاصح سحب التوقيع الأمريكي عليه لأن هناك من شارك أمريكا في التوقيع عليه. فإنه ما برح حتي الآن يوجه التحذيرات لإيران. وقرر فرض مزيد من العقوبات الجديدة عليها. بل إن شكوكنا هنا لن تقتصر فقط علي جدية الأمريكان في مواجهة الارهاب. وانما سوف تمتد وتتسع لتصل إلي درجة القبول عن قناعة بما طرحه محللون من قبل حول أن الأمريكان هم صانعو الإرهاب. ليس فقط بدعمهم منذ عقود بن لادن ليتصدي مع أنصاره والعديد من جماعات الإسلام السياسي في مواجهة القوات السوفيتية في افغانستان وانها أيضا لتأسيس تنظيم داعش ودعمه في سنوات النشأة الأولي ليتصدي للتمدد الإيراني في العراق ثم غض البصر عن تزايد قواته واحتلاله مساحات من الأراضي العراقية وأيضا مساحات من الأراضي السورية.. وهكذا قرر الأمريكان ذات التجربة التي سبق أن خاضوها مع تنظيم القاعدة الإرهابي من قبل هكذا ليس الأمر قاصراً علي الشك في جدية الأمريكان في مواجهة الإرهاب. وإنما الشك ممتد في أن الأمريكان هم صانعو الإرهاب والتنظيمات الإرهابية التي نكبت بها بلادنا ومنطقتنا.. ويعزز ذلك أن أمريكا كانت هي المبادرة باستخدام الدين في صراعها مع الاتحاد السوفيتي السابق. وورطت العديد من البلاد العربية فيما اسمته الحرب علي الشيوعية حماية للدين. ولعل ذلك يفسر لنا الموقف الذي اتخذته واشنطن تجاه الأزمة القطرية.. فهي رغم إعلان ترامب أن قطر متورطة في دعم الإرهاب منذ فترة طويلة. إلا أن إدارته لم تتخذ خطوة واحدة جادة للضغط علي قطر لكي تتوقف عن دعم الإرهاب وتمويله وتسليحه وتوفير الغطاء السياسي لمنظماته الملاذ الأمن لأعضائها.. بل علي العكس تماماً فإنها علي لسان وزير الخارجية الأمريكي تطالب الدول الأربع التي قاطعت قطر بالتنازل عن مطالبها الثالثة عشر وانهاء هذه المقاطعة مقابل وعد جديد تقدمه قطر بالتوقف عن دعم الإرهاب.. وهو ما سبق أن فعلته من قبل في اتفاقات مكتوبة مرتين منذ بضع سنوات ولم تلتزم به بل خرقت هذه الاتفاقات وضربت بها عرض الحائط رغم أن الذي وقعها هو أميرها.. ألا يترجم ذلك رغبة أمريكية ليس فقط في عدم معاقبة قطر أو حمايتها أو حتي في الحصول علي مزيد من أموالها وانما رغبة أمريكية أيضاً في استثمار الإرهاب وبناء تنظيمات تزعج وتؤرق دولنا وشعوبنا في منطقة الشرق الأوسط. وربما دول وشعوب أوروبا أيضاً التي يبغي ترامب ترويضها وتحملها تكاليف الحماية الأمريكية لها من خلال حلف الناتو! لعلي ذلك يفسر لنا أيضاً لماذا لم ينفذ ترامب وعده باعتماد جماعة الاخوان تنظيماً ارهابياً حتي الآن. رغم أنه وصفها بذلك وعدداً من مستشاري حملته الانتخابية مراراً من قبل.. فإذا كانت واشنطن طبقاً لنصيحة كيسنجر يجب أن تحافظ علي داعش فأولي لدي واشنطن بالطبع المحافظة علي جماعة الاخوان وذلك لتحقيق هدف آخر هو الحد من الصعود المصري اقتصاديا خاصة حتي تظل مصر مشغولة بعنف الاخوان وحلفائهم عن معركة بناء دولتها العصرية الحديثة.