الأزمة القطرية الحالية. اختبار متعدد الحسابات. يمكن لنتائجه أن تكون لها تأثيرات بعيدة المدي. خليجية وعربية ودولية. هي اختبار بالدرجة الأولي لمجلس التعاون الخليجي والمنظمة التي تضم ست دول هي السعودية والكويت والإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عمان. وهذا اختبار يمكن لا قدر الله أن يصل بالمجلس إلي نقطة: يكون أو لا يكون ولوحدة أعضائه. عندما رأت دول المجلس تحويله إلي "اتحاد" وأعدت مشروعاً بذلك في قمة المجلس الأخيرة في ديسمبر الماضي اعترضت سلطنة عمان رغم موافقة الدول الخمس الأخري. وكانت حجة السلطنة أن الظروف لم تنضج بعد لهذه الخطوة وأنه إذا أرادت الدول الخمس المضي في مشروع التحول فلها ما تريد.. لكن السلطنة ستبقي خارج الاتحاد. وتعطل المشروع. حفاظاً علي كيان المجلس. الآن. عندما اتخذت السعودية والإمارات والبحرين موقفها الأخير من قطر. كان المتصور أن تنضم إليها الكويت وسلطنة عمان. ليظهر مجلس التعاون وحدته وتماسكه. ولكن هذا لم يحدث. بقيت الدولتان خارج اتفاق الدول الثلاث الأخري. وكانت حجة الدولتين أنه من المهم أن يبقيا كذلك. حتي يمكنهما القيام بجهود الوساطة بين الدول الثلاث وقطر لتسوية الأزمة. ولم يكن ذلك منطقاً أو مقنعاً. *** فالقضية بين السعودية والإمارات والبحرين وبين قطر ليست قضية خلاف علي حدود أو تنازع علي أرض بحيث يجوز فيها الحياد. القضية قضية إرهاب وأمن وطني وخليجي وعربي. قضية سياسات لدولة قطر تدعم الإرهاب وتمول جماعاته وتنظيماته وميليشياته وتهدد الأمن الخليجي والعربي باستمرار تدخلها في الشئون الداخلية للدول العربية ومساعدتها علي تخريب هذه الدول وتدمير مؤسساتها. والدول الثلاث لم تتخذ موقفها الأخير ضد قطر إلا بعد نفاد صبرها من إعراض قطر عن كل المحاولات الودية التي جرت لتغيير سياستها. وإلا بعد أن تجمعت لدي هذه الدول دلائل أكيدة. وموثقة تؤيد الاتهامات التي توجهها لقطر والتي بنت موقفها علي أساسها. وبالطبع فإن ما يهدد أمن السعودية والإمارات والبحرين يهدد أمن الكويت وسلطنة عمان فلم تعد هناك دولة معقمة ضد الإرهاب بما في ذلك الدول التي لها باع طويل في ممارسته. والدليل علي ذلك ما تعرضت له إيران ذاتها الأسبوع الماضي من تفجيرات إرهابية. ولو نحينا موضوع الوساطة جانباً. ولو بصفة مؤقتة. فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الكويت وسلطنة عمان مع الإرهاب أم ضده؟! ثم سؤال آخر: هل يقومان بالوساطة للضغط علي قطر لتغيير سياستها اقتناعاً منهما بأن هذه السياسة خاطئة وتضر بأمن الجميع وتهدد أمن ووحدة دول مجلس التعاون الخليجي أم لدعوة الدول الثلاث: السعودية والإمارات والبحرين لوقف أو تخفيف إجراءاتها العقابية ضد قطر والتنازل بذلك عن حق شعوبها في الأمن والاستقرار؟! باختصار: أين تقف الدولتان بالضبط؟! علماً بأنه في هذه القضية. لا يجوز الرد بأنهما تقفان علي مسافة واحدة من الطرفين. *** إن قطر. حتي الآن. لم تصدر عنها أي بادرة عن استعدادها لتغيير سياستها والتسليم بمطالب الدول الثلاث منها. بل ما يصدر عنها يشير إلي العكس تماماً. وأحد المصادر التي تقويها علي ذلك أنها لا تواجه دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة بل ثلاثاً منها فقط.. أي أن المجلس منقسم. فمازالت تنفي عن نفسها اتهامات دعم الإرهاب وتمويل تنظيماته. وإيواء عناصره وتصف هذه الاتهامات بأنها لا تقوم علي أي أساس وليس عليها دليل. واتجهت للاستقواء بإيران وتركيا تحسباً لاحتمالات أي تصعيد للإجراءات من جانب الدول الثلاث. وأمام هذا التصلب فإن فشل الوساطة الكويتية أو العمانية مؤكد لأن الدول الثلاث لن تتراجع عن موقفها أو تتنازل عن مطالبها. ماذا سيكون موقف الكويت وسلطنة عمان في هذه الحالة؟! وإلي أي الطرفين سينحازان؟! إن الخيار الصحيح في هذه الحالة. هو الانحياز لوحدة مجلس التعاون الخليجي وللموقف ضد الإرهاب ومن يمولونه. فإذا استمر حاكم قطر في السلطة. وأصر علي التحدي واستمر في سياساته المعادية لأمن جيرانه وأمن الخليج. فإنه يمكن التضحية بقطر. مؤقتاً. في سبيل الحفاظ علي كيان مجلس التعاون ووحدته. وذلك بعقد قمة طارئة للمجلس. تصدر قراراً بتعليق عضوية قطر لحين عدولها عن سياساتها. هذا هو السبيل المتاح إذا لم تتوفر في قطر إرادة داخلية لتغيير السياسة من خلال تغيير شخص الحاكم. ذلك أن حاكم قطر الحالي أصبح ورقة محروقة داخل مجلس التعاون الخليجي بل ربما علي المستوي العربي العام. ولا أظن أنه إذا بقي في مكانه سوف يكون مقبولاً جلوسه علي مائدة واحدة مع قادة لبقية الدول الأعضاء في المجلس أو مع معظم الحكام العرب. *** أردت أن أتحدث عن موقف الدول الثلاث فقط: السعودية والإمارات والبحرين عند تناول الأزمة علي المستوي الخليجي.. الآن أتحدث عن موقف الدول الأربع بعد أن أضيف إليها مصر. قلت سابقاً وأكرر. إن قيمة الموقف الرباعي تنبع من أنه يضيف البعد العربي إلي البعد الخليجي في الأزمة. وهذا يقوي الطرفين معاً. ثم إنه لكي يؤتي هذا الموقف النتائج المرجوة منه. فلابد أن يبقي موحداً كما بدأ موحداً. وأن يتصدي لأي محاولات لشق وحدته عبر إعادة تصنيف أطرافه. أو القول بأنه لا يمثل حالة واحدة. بل حالات مختلفة. والأزمة القطرية هنا. هي اختبار عملي للمبدأ الذي تطرحه مصر وتؤكده كل يوم. وتؤيده دول الخليج وترحب به علي الدوام وهو أن أمن مصر من أمن الخليج. وأمن الخليج من أمن مصر. إن خطر الإرهاب يهدد الجميع. وهو الخطر المصنف عالمياً الآن رقم واحد. وحين يهدد الإرهاب مصر والخليج معًا ثم يكون من يدعمه ويموله من داخلنا فلابد من التصدي له بكل قوة. وموقف مصر مع الدول الشقيقة الثلاث هو ترجمة دقيقة لذلك. إن مجرد أن تكون إيران وتركيا أول من سارع من الدول لمساندة حاكم قطر واستنكار إجراءات الدول الأربع ضده هو دليل إثبات لدعمه للإرهاب وتمويله لتنظيماته. والادعاء بأن الأزمة الحالية تؤثر سلباً علي جهود حل الأزمة السورية التي تقوم بها دول اجتماعات الأستانة: روسياوإيران وتركيا. دليل آخر. لأن قطر هي من يعرف كل المنظمات الإرهابية العاملة علي الأراضي السورية. ولأن التسوية السياسية للأزمة السورية. ستتطلب بالضرورة "تسويات مالية" يتم الدفع فيها لهذا التنظيم الإرهابي أو ذاك.. وحقائب الأموال القطرية تعرف طريقها جيداً إلي هناك. *** والخلاصة. أن التضحية ب "تميم".. إنقاذ لقطر. وبداية تسوية الأزمة. والتضحية ب "قطر" في حال بقاء تميم من خلال تعليق عضويتها في مجلس التعاون الخليجي هو إنقاذ للمجلس وحفاظ علي وحدته حتي لا يجلس أحد رعاة الإرهاب الدولي علي مائدة واحدة مع ضحايا هذا الإرهاب. والتمسك بوحدة الموقف الرباعي لمصر والسعودية والإمارات والبحرين إلي النهاية هو تعبير عملي عن قدرة الدول الأربع علي الحفاظ علي أمن الخليج والأمن القومي العربي. والتصدي للأخطار التي تهدد هذا الأمن من الداخل والخارج.