خلال عدة أيام حصدت حرب استعادة أراضي الدولة وحق الشعب نتائج مذهلة وصلت إلي آلاف الأفدنة وملايين الأمتار في المناطق السياحية. وذلك في سباق مع الزمن لتنفيذ واحد من أعظم تكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسي بتنفيذ هذه المهمة قبل نهاية مايو بعد تقاعس كل الحكومات السابقة عن مواجهة مافيا نهب أملاك الدولة بينما يتعذب الملايين في حربهم اليومية لتوفير الحد الأدني من الحياة الكريمة لأبنائهم. عبر سنوات طويلة. اكتفت الحكومات المتعاقبة بدور المتفرج العاجز علي هذه المافيا المزودة بالأسلحة والبلطجية وعبقرية "أساتذة" الفساد بالمحليات وجهات الولاية الذين ساندوها ب"الطناش" والصمت والمساعدة واستغلال ثغرات القوانين طالما أن "المعلوم مضمون" لتستولي علي آلاف الأفدنة دون حسيب أو رقيب. بل ان الدولة في الماضي ساعدت رسميا - في مرحلة سابقة هؤلاء اللصوص من خلال التشريع المفسد الذي كان يدعو صراحة من يريد استصلاح الصحراء أن يضع يده علي ما يقدر عليه من أراضي الدولة ثم يزرع الأرض المنهوبة ويتقدم بعد ذلك بطلب لتقنين الملكية. وساعد ذلك الكثيرين علي الاستيلاء علي مساحات كبيرة وزراعة جزء بسيط منها للخداع وتسقيع الجزء الأكبر وبيعه لآخرين وتغيير النشاط من زراعي إلي عقاري لتضيع المسئولية وسط سلسلة البائعين المتعاقبين.. كما تورط عدد من الجادين الذين زرعوا بالفعل ونجحوا في تصدير المحاصيل للخارج وعندما طلبوا التقنين دخلوا في متاهة هيئة التعمير وسراديب الفاسدين علي أعلي المستويات كما حدث في قضية رشوة وزير الزراعة د.صلاح هلال. المشكلة أو المأساة التي كشفت عنها تصريحات وزير الزراعة د.عبدالمنعم البنا ل"المصري اليوم" الأحد الماضي قوله انه تم الانتهاء من حصر جميع التعديات علي أراضي الدولة وأن الإزالة هي مسئولية المحافظين. وهو ما يؤكد ان التعديات بكل تفاصيلها كانت معروفة ومحددة!! .. كما كشف انه تم إصدار 157 قرارا لإزالة التعديات منذ عام 2006 ولكن المحافظات طوال 11 سنة لم تنفذها وهو ما يؤكد أيضا احدي جرائم عصر مبارك الذي كان زمن ازدهار نهب أراضي مصر وهو ما يتطلب الآن وفورا لاستكمال معركة استعادة حق الشعب. فتح ملف العطايا الرئاسية في عصر مبارك لكشف من منحهم الرئيس الأسبق آلاف الأفدنة وملايين الأمتار بسعر بخس لتحديد من استثمر واستصلح وبقي عليه تسديد حق الدولة بالأسعار الحقيقية. ومن نهب وباع لغيره أو قام بالتسقيع حتي الآن؟! أيضا.. يجب علي أجهزة الدولة التي تقود بجدية معركة استرداد أراضي المصريين ألا تتيح الفرصة للأبواق التي يطلقها بعض المنتفعين بحالة الفساد والنهب للتشكيك في جدوي هذه المعركة.. وذلك بالحرص علي ألا تؤدي السرعة في تنفيذ تلك المهمة إلي بعض الأخطاء أو ظلم بعض الجادين أو التمييز بين بعض الأفراد أو الجهات المعتدية. ومن المهم جدا ألا يكون موعد 30 مايو هو نهاية المطاف لأن الأصعب في هذه المعركة هو الحفاظ علي مكاسبها وهو ما يتطلب إجراءات صارمة بنفس جدية التنفيذ الحالية لضمان عدم عودة المعتدين وبلطجية مافيا الأراضي إلي استعادة ما خسروه وخاصة أنهم يترقبون فرصة الاسترخاء المتوقع مع بداية شهر رمضان ثم اجازة عيد الفطر لإعادة وضع اليد وبناء ما تم هدمه. ** ويثير ذلك قضية أخري بنفس أهمية أراضي الدولة وهي مخالفات المباني التي عجزت الدولة عبر عقود طويلة عن مواجهتها خاصة انها في بعض جوانبها شديدة الارتباط بالقضية الأولي كما انها مرتبطة بكارثة العشوائيات وتهديد شبكات المرافق بتزايد الضغط عليها مع مخالفة الترخيص والمغالاة في ارتفاعات المباني بما يفوق طاقة هذه المرافق في الأحياء السكنية القديمة والجديدة. وبالطبع يحلم الكثيرون بأن تتحرك الحكومة هذه المرة من نفسها وأن تستعد من الآن لفتح جبهة جديدة في المعركة الحالية بالتوازي معها أو بعد تحقيق النتائج المطلوبة حسب امكانات أجهزة الجيش والشرطة حتي نضمن نجاحها. والمحزن ان مواجهة الحكومات السابقة لكارثة مخالفات المباني في مصر لم تكن جادة باستثناء بعض الحملات السريعة الانتقائية التي حققت نتائج بسيطة ولكنها كانت تسمح للمخالفين بإعادة بناء الطوابق التي تم هدم جدرانها وتمليكها وترك الملاك الجدد لمصيرهم.. كما كان يعيب بعضها اختلاف طرق التعامل مع المخالفين حيث وصل الأمر أحيانا إلي نسف مبان كاملة بالديناميت أو الاكتفاء بهدم الطابق الأعلي بينما تركت أغلب المباني المخالفة كما هي ليخرج أصحابها ألسنتهم لمن ينادي بتطبيق القانون علي الجميع. والأخطر من ذلك ان هذه الحملات لم تركز علي الأهم وهو كشف شبكات الفساد والتواطؤ بين مهندسي المحليات والأحياء وأصحاب المباني المخالفة ولم يتم محاسبة من تركوا العمارات الشاهقة ترتفع بسرعة الصاروخ تحت سمع وبصر مسئولي الأحياء وغيرهم بل ان الكثير من المخالفات تتم بكل وقاحة علي بعد أمتار من مكتب المحافظين منذ سنوات وحتي الان كما يحدث في محافظة الجيزة حيث يصدر الترخيص بخمسة طوابق فترتفع العمارة إلي أكثر من الضعف.. ومع ذلك يتم توصيل كافة المرافق لها ليبيع محترف المخالفات كل الشقق ويبدأ في تنفيذ عمارة جديدة بنفس الطريقة! أتمني إذا استجابت الحكومة لهذه الدعوة أن يتم الإعداد الجيد للمعركة الجديدة بحيث يتم حشد كافة الأجهزة المعنية لمساندتها.. ولكن لابد قبل البداية من الاتفاق علي الأساليب الفعالة لمواجهة مخالفات المباني الحالية ووضع نظام صارم يضمن التزام المشروعات الجديدة ببنوده خاصة ان الوضع الحالي يكشف عن ثغرات وسلبيات تشجع المخالفين بدلا من أن تردعهم. فما أكثر قرارات الإزالة ولكنها توضع في الثلاجة لأسباب وحجج لا حصر لها مثل ضعف امكانيات المحليات للتنفيذ ولجوء المخالفين إلي سرعة بيع آخر الطوابق المخالفة بسعر بخس وتسكينها بالفعل مما يمنع الإزالة بحجة "وجود قاطنين بالشقق"! وهناك أيضا غياب الاتفاق علي إجراءات الردع بين من يطالب بمصادرة الطوابق المخالفة لصالح الخزانة العامة أو التصالح بدفع غرامات معينة عن كل طابق وهو ما قد يشجع المخالف علي تكرار جريمته.. وكذلك الخلاف حول قرار توصيل الكهرباء بالعدادات الكودية لتحصيل حق الدولة بدلا من سرقة التيار بينما يري آخرون أن ذلك يسهل مهمة المخالفين ويساعدهم علي بيع الشقق وتكرار المخالفات. وهناك أيضا ثغرات قانونية عديدة يستغلها أصحاب الأبراج المخالفة حيث لا تخرج الأحكام عادة في قضايا مخالفات المباني عن الغرامة وليس الحبس الوارد بالقانون الذي تضمن الاختيارين اضافة إلي ظاهرة "الكحول" العجيبة حيث يلجأ مليونيرات هذه الأبراج وخاصة في الإسكندرية إلي استخراج التراخيص وأي أوراق أخري باسم أحد العمال أو الخفراء التابعين لهم ليكون في "وش المدفع" عند أي مشكلة قانونية بينما يتكفل المالك بأي أعباء أو غرامات ويبقي هو في الظل دون أن يصل إليه الإعلام أو يتلوث اسمه "الناصع" بتوابع المخالفات الصارخة! هذه الثغرات وغيرها تؤكد ان هذا الملف شديد التعقيد مما يتطلب الجدية والاستعداد التام قبل بدء معركة المواجهة بإعداد الأسلحة التشريعية والمجتمعية وقوات التنفيذ علي أعلي مستوي وبدعم كامل من كل سلطات الدولة بما يضمن النجاح في ردع مافيا الأبراج المخالفة لاستكمال دائرة منع نهب أراضي وأموال وحقوق المصريين أو الحلم الذي طال انتظاره. المؤكد ان نجاح حملة استعادة أراضي الدولة في أيامها الأولي قد يشجعنا علي التفاؤل بأن تكون الحكومة حاسمة بنفس الهمة والمشاركة من كل الأجهزة في بقية الملفات المؤجلة أو المجمدة أو التي لا تتجاوز غالبا في التعامل معها مرحلة الوعود والتصريحات الوردية دون الفعل الحقيقي وهو ما يتجلي في ملف جنون أسعار السلع وملف نواقص وأسعار الأدوية.. كما نحلم بسرعة التحرك في مواجهة الانفجار السكاني وفضيحة نسبة الأمية المرتفعة خاصة بعد أن بشرنا الرئيس - في حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية - بأن الحكومة تدرس مشروعات قوانين لضبط الزيادة السكانية وأن شباب الأحزاب انتهوا من إعداد خطة لمواجهة الأمية. ونحن في الانتظار.