انتهت القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالمملكة العربية السعودية يوم الأحد الماضي باصدار "إعلان الرياض". وهو بمثابة البيان الختامي لأعمالها. وقد تضمن هذا الاعلان عددا من القرارات والاتفاقات المهمة. في مقدمتها: * إقامة شراكة وثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولاياتالمتحدة لمواجهة التطرف والإرهاب وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية اقليميا ودوليا. * الالتزام الراسخ بمحاربة الإرهاب بكافة أشكاله. والتصدي لجذوره الفكرية. وتجفيف مصادر تمويله. واتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع ومكافحة الجرائم الإرهابية بالتعاون الوثيق بين دولهم "هذا بعض ما طالب به الرئيس السيسي في كلمته أمام القمة". * استقرار عدد من الدول الإسلامية الأعضاء في التحالف العسكري الإسلامي لتشكيل قوة احتياط قوامها 34 ألف جندي لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية عند الحاجة. * تأسيس "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" في مدينة الرياض. لتحقيق السلم والأمن في المنطقة والعالم. وسوف يتم التأسيس والاعلان عن الدول المشاركة خلال عام .2018 * انشاء مركز عالمي لمواجهة الفكر المتطرف. ومقره الرياض. لمحاربة التطرف فكريا واعلاميا ورقميا. وهو المركز الذي شارك الرئيس السيسي الملك سلمان والرئيس الأمريكي ترامب في افتتاحه خلال القمة. * إطلاق مبادرة سعودية لتأسيس مركز للحوار بين أتباع الاديان. * وأخيرا. إدانة المواقف العدائية للنظام الإيراني ورفضهم الكامل لممارساته المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم "وهي الادانة والرفض الوحيدين في الاعلان". هذه القرارات والاجراءات تثير عددا من الملاحظات تستحق التوقف عندها. 1 فوفقا لما نشرته الصحف السعودية نفسها. فإن هذه القمة حضرها قادة وممثلو اكثر من 55 دولة. ولأنها "قمة رسمية" وليست مهرجانا أو مناسبة احتفالية. فقد كان مهما ان يعرف متابعوها عدد الدول الحاضرة بشكل محدد. وليس أكثر أو أقل منه. كذلك كان ضروريا أن يعرف المتابعون من هي هذه الدول. وللانصاف. فقد نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر يوم الأحد الماضي أسماء 27 دولة من هذه الدول بمناسبة وصول قادتها وممثليها إلي المملكة العربية السعودية. وبمراجعة هذه القائمة يتضح أن نصف هذه الدول افريقية. من غير دول شمال افريقيا العربية. وهي دول ربما يواجه بعضها إرهاب جماعة "بوكو حرام" أو تنظيم القاعدة. وهما الكيانات الإرهابيان الناشطان في القارة الافريقية. لكن دورهما في حرب عالمية علي الإرهاب كالتي تبنتها القمة يظل هامشيا. هذه ملاحظة شكلية أولية. 2 يبدو أننا سنردد بصورة أخري ما قالوا بنو إسرائيل لسيدنا موسي عليه السلام حين أخبرهم ان الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة.. وكان ردهم عليه بعد طول جدال هو: إن البقر تشابه علينا. أقول ذلك بمناسبة "هوجة التحالفات" التي تعددت في منطقتنا تحت مظلة الحرب ضد الإرهاب فلدينا حتي الآن التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة وعضوية أكثر من 60 دولة من المنطقة وخارجها. والذي يحارب في العراقوسوريا. والتحالف العربي بقيادة السعودية. والذي يحارب في اليمن.. والتحالف العسكري الإسلامي الذي تم الاعلان عنه في 15 ديسمبر 2015 بقيادة السعودية أيضا. وهانحن نقرر في قمة الرياض إنشاء تحالف جديد تحت مسمي "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي". يحدث هذا. رغم أن التحالف العسكري الإسلامي. وهو آخر العنقود في التحالفات العسكرية القائمة. لم يظهر له حتي الآن كيان متكامل رغم مرور عام ونصف العام علي اعلانه. لقد انطلق هذا التحالف بمناورة عسكرية استعراضية في المملكة السعودية عنوانها "رعد الشمال" وكان واضحا من كلمة "الشمال" أن المقصود بها سوريا ونظام الأسد. بينما كان "التحالف العربي" يحارب في الجنوب "اليمن" لكن هذا "الرعد" لم يسقط مطرا حتي الآن. اليوم تطلق قمة الرياض حلفا جديدا هو "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" والواضح من اقتران اطلاقه بتوجيه بوصلة الاستهداف نحو إيران باعتبارها مع الإرهاب العدو الجديد أو العدو البديل. أننا سنحارب شرقا أيضا. 3 لاحظوا اسم التحالف الجديد المنتظر وتوقيت إعلان تأسيسه والمشاركين فيه وهو عام .2018 فالاسم هو "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي". يعني لا هو عربي. ولا إسلامي. وإنما شرق أوسطي.. لماذا؟! لأنه سيضم إسرائيل ولهذا لن يكون عربيا خالصا.. ولأنه سيوجه ضد دولة إسلامية هي إيران فلن يكون إسلاميا خالصا. وبالتالي هو المشروع القديم للشرق الأوسط الجديد في ثوب مختلف. ولأول مرة في تاريخ الأحلاف والتحالفات في العالم كله. يتم الاعلان عن اسم تحالف. وتحديد مقره. ثم هدفه. دون الاعلان حتي عن أسماء الدول المؤسسة له. وارجاء هذا الاعلام لعام قادم.. ما هو وجه الاستعجال إذن في الإعلان عنه الآن؟! ولماذا لم ينتظر أصحاب الفكرة حتي تنضج. وتتوفر الظروف الموضوعية لترجمتها إلي واقع؟! إنه تحالف المتناقضات. وأصحاب فكرته يعلمون جيدا أنه سيلقي معارضة شديدة من دول وقوي رئيسية كانت حاضرة في قمة الرياض أو غائبة عنها. وأغلب الظن عندي أن هذا التحالف لن يقوم. لا العام القادم ولا الذي بعده. ليس فقط لأن إسرائيل لن تقدم خلال هذه الفترة أوراق اعتمادها للانضمام لهذا التحالف وهي حل القضية الفلسطينية وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي طبقا للمرجعيات الدولية المعتمدة. بل لأنه من غير المنطقي أن يقوم تحالف ضد الإرهاب. يضم دولا هي نفسها تمثل طابورا خامسا للجماعات الإرهابية تدعمها بالمال والسلاح وبالمعلومات من داخل أي تجمع تنتمي هذه الدول إليه. 4 بعض دول التحالف العسكري الإسلامي مستعدة لتشكيل قوة احتياط من 34 ألف جندي لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية عند الحاجة. هذه الفكرة "هروب إلي الامام" من مشروع انشاء القوة العسكرية العربية الموحدة. أو المشتركة. الذي طرحته مصر. وأقرته القمة العربية في مارس 2015. وبذل رؤساء أركان الجيوش العربية جهدا هائلا في صياغة البروتوكول التنفيذي له. ثم تم وأده بتحفظات من بعض الدول العربية عليه. بعض هذه الدول التي تحفظت. هي نفسها التي أعلنت في قمة الرياض استعدادها لتشكيل قوة الاحتياط وتقديم 34 ألف جندي من أبنائها للعمل بها. الرسالة واضحة.. ليس مطلوبا أن تكون هناك قوة عسكرية موحدة أو مشتركة "عربية". ولا أن يكون المشروع مصريا. ولا أن تكون مصر قائدتها. ومعروف جيدا لوعي المواطن العادي في الشارع المصري والشارع العربي. من الذي يطلب هذا ومن الذي يستجيب. 5 مبادرة سعودية لتأسيس مركز للحوار بين أتباع الأديان.. حسنا.. كيف ندعو للحوار بين الأديان ونحن نفتقد الحوار بين أتباع الدين الواحد.. إيران تحاورنا بالأطماع الاقليمية والتدخلات العدوانية. ونحن نحاورها بالاستقواء بالولاياتالمتحدة وباعتبارها العدو البديل للعرب والمسلمين. رغم أننا وهي أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.. بل وأعضاء في مجموعة الدول الثماني الإسلامية الكبري؟! العالم العربي والإسلامي في حاجة إلي من يدعو كل دوله وأطرافه إلي الحوار مع بعضها البعض. لا من يحرض دوله وأطرافه ضد بعضها البعض. وإشعال حرب بينها تضعفها جميعا. لتظل إسرائيل في النهاية هي الأقوي.