من الأمور التي يجب أن يضعها الباحث والمثقف في اعتباره وهو يتناول شخصية بقامة أبي هريرة العلمية الذي حمل حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان من قراء المدينة فمن عاش مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاث سنوات لا يفارقه فأخذ من أدبه وعلمه وتأثر بقيمه ومعاملاته للآخرين وبسياسته للناس كحاكم فأبو هريرة صاحبا كاملا فأخذ من كماله وهو منقطع لذلك قاصدا متأهبا. لكن الذي لا يجب أن يغيب عن المحب الرافض لأي نقد يوجه لصحابي اننا أمام بشر يسري عليه ما يسري علي البشر من حالات. صحيح فإن مثل أبي هريرة تتضاءل هذه الأمور لديه بما نال من صحبة لخير الأنام وبما أخذ نفسه به لكنها حالات تعتري الإنسان مادام إنسانا فلا حرج إذا ما تعاملنا معه في بعض المسائل بعيداً عن التقديس والعصمة. وما ينطبق علي الرواة الذين سمعوا مباشرة ونقلوا ينطبق علي جامعي الحديث والذين وضعوا منهجاً في النقل والتوثيق للحديث غير مسبوق في دقته وعلميته لكنهم في النهاية بشر غير معصومين. ومن هنا توقفت طويلاً أمام العمل البحثي العظيم الذي قدمه الشيخ محمد الصادق عرجون عميد كلية أصول الدين تحت عنوان محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم منهج ورسالة وبحث وتحقيق حيث وضع قواعد لبحثه وتحليله تتعلق من قضية بشرية الناقلين وبشرية الجامعين فلم يكن يتوقف في أخذه بالحديث عند صحة السند أي الرواة وانما كان يشترط صحة المتن بل يقول في عرضه لمنهجه بل إن صحة المتن أهم وأعظم ونعني بصحة المتن عدم مخالفة ما يروي لأصل من أصول الإسلام دون لجوء إلي التأويلات المتعسفة وعصمة الأنبياء في عقيدتنا أصل من أصول الإيمان والإسلام فإذا جاءت رواية تمس من قريب أو بعيد عصمة النبي صلي الله عليه وسلم وجب طرح هذه الرواية كان من كان راويها لأنه غير معصوم من الوهم والغلط لذا نجده يرفض بعض الروايات التي رويت عن سيدنا أبي هريرة بل يتتبع ذلك دون غضاضة ليؤكد صحة قوله من روايات أخري بسبب وهم مثلاً وقع فيه الراوي في النقل وقد أكد هذا الأمر في بعض الروايات التي لا تتفق وصحيح الإسلام وهو أمر وقع فيه البخاري أيضاً فهل ينتقص ذلك من أمام الرواة..؟ فلو قلنا ذلك فإننا نعامله علي انه معصوم ويتجاوز طبيعة البشر أما إذا اعترفنا ببشريته فإنه لا حرج أن يقع مثل هذه القامات فيما يقع فيه من البشر رغم الحرص والدقة.