* نعلم جميعاً أن الرئيس الأمريكي "أي رئيس" لا يغير كثيراً في السياسات الخارجية لبلاده وحتي الداخلية. فالولاياتالمتحدة دولة مؤسسات تقوم علي القرار الجماعي وليس الرئاسي. ولكن مع ترامب فالوضع مختلف كثيراً نظراً لفوز حزبه بالأغلبية في الكونجرس بغرفتيه الشيوخ والنواب. علاوة علي شخصية ترامب القوية وربما المندفعة في الكثير من الأحيان. أنا شخصياً كتبت في هذا المكان من قبل أن وصول ترامب لكرسي الحكم في أمريكا لن يغير كثيراً من سياستها الخارجية تجاه معظم القضايا العربية والدولية رغم تفاؤل الكثير منا بهزيمة هيلاري كلينتون وسقوطها المدوي في الانتخابات الرئاسية باعتبارها كانت تمثل امتداداً لحكم باراك أوباما الذي يعد أسوأ من حكم أمريكا عبر تاريخها غير الطويل! لم يمض وقت طويل علي ترامب في البيت الأبيض وبادر منذ اليوم الأول لجلوسه رسمياً علي كرسي الحكم بإصدار العديد من القرارات الانفعالية. ولا أقول المتسرعة ولعل أهمها ما صدر قبل يومين بمنع رعايا 7 دول إسلامية من دخول أمريكا أو الهجرة إليها وهو ما أثار حفيظة الملايين من المسلمين بل وغير المسلمين خارج أمريكا وداخلها أيضا باعتبار أن القرار يمثل ضربة قاصمة للحريات في بلد الحريات. وبعيداً عن الدول التي يشملها القرار وامكانية زيادة هذا العدد خلال الأيام القليلة المقبلة إلي 10 دول أو أكثر. فإن القرار يزيد من الإرهاب ولا يحاربه ويزيد من الكراهية والاحساس "بالتفرقة" العنصرية لدي مواطني هذه الدول. فليس من المعقول أن تحكم علي مواطني هذه الدولة أو تلك بأنهم إرهابيون يمثلون خطراً علي أمريكاً نظراً لوجود شخص أو مائة أو حتي ألف من أبنائها بين المتطرفين فكرياً وأخلاقياً أو حتي ممن يحملون السلاح والمتفجرات!! الشيء الآخر السيئ والبغيض في هذا القرار يتمثل في إلصاقه لتهمة الإرهاب والتطرف بالدول الإسلامية دون غيرها من الدول في إشارة إلي إلصاق تهمة الإرهاب والتطرف إلي الإسلام وهذا كذب وافتراء علي ديننا الحنيف الذي يرفض العنف ويدعو للمحبة والسلام. وكما نعلم جميعاً أن الإرهاب لا دين له ولا وطن وأكبر دليل علي ذلك ما يحدث من حوادث إرهابية في أوروبا وأمريكا وغيرها من بلدان العالم وكذلك فإن من بين رجال وأعضاء داعش من هم ليسوا من البلاد الإسلامية وكثير منهم من دول أوروبا وأمريكا ولكنه التطرف البغيض الذي يلتهم العقول قبل الأجساد. أعتقد أن الرئيس الأمريكي سوف يتراجع عن قراره قريباً وعلي أقصي تقدير سيتم قصره علي منع المهاجرين أو الحد من عملية الهجرة إلي الولاياتالمتحدة خلال الفترة المقبلة. وان ما حدث خلال الساعات الماضية لا يتعدي "الشو الإعلامي". وكما نقول في مصر "كل غربال جديد وله شدة" ولذا ما استمر ترامب في عناده وقراراته الانفعالية والمتعجلة فالعواقب ستكون وخيمة ووخيمة جداً وستؤدي كما ذكرت إلي زيادة التطرف والإرهاب. فالمنع ليس هو الحل الأمثل فهناك العديد من الطرق والوسائل التي أراها أكثر ايجابية وفعالية من منع دخول المواطنين المسلمين إلي أمريكا. ولعل أهمها تجفيف منابع التمويل التي تنهال وتنهمر علي هذه الجماعات المتطرفة من أوروبا وأمريكا نفسها والأهم من ذلك أن تكف الولاياتالمتحدة عن سياسة الكيل بمكيالين عند معالجة القضايا الشائكة والخلافية سواء المتعلقة بالعرب والمسلمين أو غيرهم من مختلف أنحاء العالم.