"مصر وقعت في خطأ عندما استغلت الساحل الشمالي في الاصطياف" تصريح حديث لوزير الاسكان مصطفي مدبولي يطرح تساؤلا مهما كما يعكس خطأ يتكرر كل فترة يتعلق بأسلوب التعامل مع العلم والعلماء. اما التساؤل فهو: ما جدوي ادراك الحقيقة في وقت متأخر جدا بعد ان تكون "الفاس وقعت في الراس" وبعد ان يكون الاصلاح اصبح مستحيلا. اما ما يتعلق باسلوب التعامل مع العلم والعلماء وأهل الاختصاص. والانحياز الي اصحاب المصالح ومن يملكون "الصوت العالي" علي حساب المصلحة العليا للوطن فان تصريح الوزير الان يعيد الي الاذهان معركة صامتة شهدها الساحل الشمالي منذ نهايات سبعينيات القرن الماضي. بين العلم من جهة واصحاب المصالح من جهة اخري. وقتها بدأ الحديث عن تنمية وتعمير الساحل. فقال العلم كلمته من خلال ابحاث علمية ودراسات مستفيضة اجراها متخصصون كل في مجاله "الزراعة والصناعة والطاقة والسياحة" خرجت توصيات تشير الي امكانيات هائلة للمنطقة في هذه المجالات جميعها. تبشر بمستقبل واعد لمصر كلها من خلال استغلال تلك الامكانيات في توفير الغذاء وبصفة خاصة القمح. مع بناء قاعدة صناعية متطورة واستغلال امكانيات في توفير الغذاء وبصفة خاصة القمح. مع بناء قاعدة صناعية متطورة واستغلال امكانيات المنطقة الطبيعية في توفير مصادر بديلة للطاقة النظيفة. مع جذب سياحي يعتمد علي ما يملكه الساحل من شواطئ ساحرة يندر وجودها في العالم.. اي ان المنطقة خضعت لتخطيط علمي شامل لو طبق لتغير شكل الحياة في مصر كلها.. فما الذي حدث؟ ما حدث ان اصحاب رؤوس الاموال تكالبوا سريعا علي شراء الاراضي بطول الساحل كله. واندفعوا وراء الارباح المادية المرتفعة والسريعة يبنون منتجعات مصيفية. وانحازت أجهزة الدولة اليهم. مع حصول بعض من يعملون بها علي منفعة مادية من اصحاب تلك المشروعات "يا بخت من نفع واستنفع" تواري العلم الي خلفية المشهد وخفت الحديث عن التنمية الشاملة للمنطقة. واقتصر الامر علي ارباح سريعة بالمليارات لعدد صغير من الافراد. تشوه وجه المنطقة وخسرت مصر كثيرا. ولعل في تصريح الوزير اليوم درس مفيد نعتمد فيه علي رأي العلم فقط في تنفيذ مشروعاتنا المستقبلية لصالح الوطن كله وليس فئة صغيرة منه. لقطة : ترك لنا الراحل نجيب محفوظ في ملحمته الخالدة "الحرافيش" صورة معبرة لزمن ارتفعت فيه الاسعار ارتفاعا جنونيا بلا رابط موضحا فيها بعبقرية استحق عليها نوبل عن جدارة - أثرها علي حياة البشر في الحارة. "اندفعت عجلة الغلاء بلا تدرج. ارتفعت الاسعار ساعة بعد ساعة. تلبد الجو بسحب سوداء. عملت حوانيت الغذاء نصف يوم لندرة الاطعمة تلاطمت الشكاوي والانات. وتكونت امام محال الدقيق والفول مظاهرات لم يعد للناس حديث الا الطعام لهجوا به البوظة والغرزة والقهوة اندفع الشرر فاشتعل نارا حتي الوجهاء جهروا بالشكوي ولكن لم يصدقهم أحد وفضحتهم وجوههم الريانة الموردة. وراح سماحة "الفتوة" يصيح: لم يعد يبقي ما يكفي العصافير. غير ان فتح الباب "واحد من الحرافيش" قال لجدته ليلا: ما أكذبه يا جدتي. المخزن ملآن.. وقال لها ايضا: ما الاسعار التي يفرضها إلا إتاوة جديدة".