بمجرد أن خطوت الخطوة الأولي داخل أحد مدرجات جامعة حلوان الأسبوع الماضي. انتابني شعور بالسعادة ممزوج بالحنين والأشواق إلي الماضي الذي أصبح بعيدا يفصل بيني وبينه 45 عاما. إنه اليوم الأول لبدء دراستي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عام 1971 أتذكر جيدا تفاصيل هذا اليوم المجيد في حياتي لأنه شهد تحقيق أولي أحلامي الكبري وهو لالتحاق بهذه الكلية المرموقة ورغم الفارق الكبير الذي يراه كثيرون بين الفتي ابن ال 18 عاما الذي يزهو بعمر طويل أمامه. وبين رجل يقترب من 63 عاما وأصبح عمره وراءه. إلا أنني لم أشعر بهذا الفارق فقد كنت في أول يوم أدخل الجامعة مزهوا بتفوقي الدراسي وتحركني آمال عريضة أسعي لتحقيقها. فاليوم أزهو بانجازات حققتها بتوفيق الله وبأنني أعود إلي الجامعة محاضرا لانقل إلي شباب الجامعة خبرات السنين الطويلة. وأساهم في إزالة بعض اللبس لديهم حول الأزمات التي تمر بها بلدنا مصر. شاركت علي مدي ثلاثة أيام في دورة تدريبية للطلاب بعنوان "دور الأمن القومي في حماية الدولة" نظمتها جامعة حلوان بالتعاون مع مركز الوعي العربي للدراسات الاستراتيجية بحضور كوكبة من الخبراء الاستراتجيين والدبلوماسيين والأكاديميين. وهم جميعا من ذوي الخبرات العلمية والعملية. ومشهود لهم بالوطنية وحبهم الشديد لمصر. والأهم من ذلك كله ايمانهم بقدرة الشعب المصري وخاصة الشباب علي تجاوز الأزمة الحالية والعثور إلي مستقبل أفضل. أجمع المشاركون في الدورة علي أن مفهوم الأمن القومي تطور بشكل كبير ولم يعد قاصرا علي النواحي العسكرية والأمنية. وبات يشمل التنمية الاقتصادية بعد أن ثبت أن قدرة الدولة الاقتصادية وامتلاكها مقومات التنافس الانتاجي والابداع التكنولوجي صعدت إلي قمة مكونات الأمن القومي للدولة. وأصبح تعبئة العناصر الوطنية المتخصصة والمتفوقة في مجالات البحوث والاختراعات العلمية والتعليم المتكرر الذي ينعش طاقة الابداع لدي الدارسين طوال سنوات الدراسة من الابتدائية حتي الجامعة ضرورة للحفاظ علي الأمن القومي. ولفت نظري تأكيد الكثير من الخبراء المشاركين في الدورة علي أن التنمية الاقتصادية وحدها ليست كافية ولكن الأهم أن تتوزع ثمار هذه التنمية بشكل عادل علي جميع أفراد الشعب وضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية بتقليل الفوارق بين فئات المجتمع. وتطرق المحاضرون إلي نقطة حيوية وهامة تتمثل في أن الحفاظ علي كيان الأسرة المصرية يعد ركيزة الأمن القومي. فالتفكك الأسري يؤثر علي التوازن النفسي للفرد مما يجعله عرضة للتجنيد من جانب إعداد الوطن بسهولة. وكشف اللواء محمد رشاد وكيل جهاز المخابرات العامة سابقا ورئيس مركز الوعي العربي للدراسات الاستراتيجية. خلال محاضرته أن الخلل في علاقة الخائن المقدم مهندس صاعقة فاروق عبد الحميد الفقي مع والدته يعد السبب المباشر لنجاح الجاسوسة الإسرائيلية هبة سليم في تجنيده للعمل لصالح الاستخبارات الاسرائيلية عام 1973 وسرب معلومات وأسرارا عسكرية سرية للغاية تمكنت بموجبها إسرائيل من تدمير مواقع الصواريخ الجديدة التي كانت تبنيها القوات المسلحة أولا بأول بواسطة الطيران. ويعرف الدكتور عاطف غيث في كتابه "المشاكل الاجتماعية والسلوك الانحرافي" التفكك الأسري بأنه: ¢أي وهن أو سوء تكيف وتوافق. أو انحلال يصيب الروابط التي تربط الجماعة الاسرية كلا مع الآخر. ولا يقتصر وهن هذه الروابط علي ما يصيب العلاقة بين الرجل والمرأة. قد يشتمل أيضا علاقات الوالدين بأبنائهما¢. ويري علماء النفس أن الأسرة المتكاملة ليست تلك التي تكفل لأبنائها الرعاية الاقتصادية والاجتماعية والصحية فحسب. بل هي الأسرة التي تهيئ لهم الجو النفسي الملائم أيضا. ومن هنا فإن مجرد وجود الطفل في بيت واحد مع والديه لا يعني دائما أنه يحيا في أسرة متكاملة أو يلقي العناية الأبوية الكافي. فهل يدرك صناع القرار في أرض الكنانة أن القدرات العسكرية والأمنية وحدها لا تكفي لحماية الأمن القومي. وأن تراجع معدلات التنمية. وتدهور مستوي التعليم. والتفكك الأسري. وغياب العدالة الاجتماعية يعرض أمن مصر للخطر. وفي الختام أتوجه بالشكر للدكتور ماجد نجم القائم بأعمال رئيس جامعة حلوان والدكتور جمال شكري نائب رئيس الجامعة لشئون الطلاب والتعليم والدكتور أسامة النمر منسق الأنشطة الطلابية والدكتور أحمد خميس منسق الدورة علي جهودهم في انجاحها.