المنطقي أن يكون مقال اليوم عن اجتماع الصحفيين في نقابتهم الأربعاء الماضي لمناقشة أحوال المهنة وأزماتها المتلاحقة. ولكن غير المسار خبر عن حفل تأبين مناضل كبير. ربما لا تعرفه الأجيال الجديدة. بعدما رحل في هدوء علي عكس حياته الصاخبة منذ شبابه المبكر. إنه المهندس عبدالمحسن حمودة الذي بدأ الكفاح من أجل الحرية "حرية الوطن وحرية المواطن". مع بداية أربعينيات القرن الماضي. وواصله رغم الشيخوخة. جنبًا إلي جنب الأجيال الجديدة. حيث كنا نراه مشاركًا أساسيا في جميع الأحداث الوطنية التي عاصرناها بين السبعينيات والتسعينيات. مرورًا بمحاولات تأميم النقابات وكبت الحريات. إلي معارضة معاهدة السلام مع اسرائيل. كانت البداية في الأربعينيات حينما أخذ حزب الوفد يفقد شعبيته التي اكتسبها منذ ثورة 1919. بصلابته في مواجهة الاحتلال والملك معًا. مع دخول عناصر محافظة في صفوفه مثل فؤاد سراج الدين. ووصولها إلي مراكز قيادية به. انتهج الحزب سياسة المهادنة مع الاحتلال والملك. الأمر الذي دفع شباب الحزب إلي تكوين تكتل معارض أسموه ¢الطليعة الوفدية¢. اعتبرها المؤرخون جبهة يسارية داخل الحزب. من أهم رموزها الكاتب الصحفي محمد مندور والطالب مصطفي موسي. وراحلنا الكبير عبد المحسن حمودة الذي شغل منصب وكيل ¢الطليعة¢. استمر حمودة في نضاله من أجل الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية. طوال عهود الملكية والجمهورية. تحت حكم فاروق وعبد الناصر والسادات ومبارك. في بداية الخمسينيات كان نضاله مع باقي القوي الوطنية. من أجل الغاء معاهدة 1936 التي وقعها الوفد مع انجلترا. ثم اضطر لإلغائها في 1951 تحت ضغط شعبي جارف. وفي الستينيات قاد النضال داخل نقابة المهندسين مستهدفا الحرية النقابية. حتي تكللت جهوده بأسقاط شرط عضوية الاتحاد الاشتراكي للانضمام للنقابات. وظل يشارك بايجابية في جميع المؤتمرات الوطنية التي تعقد في الأحزاب والنقابات دفاعا عن الوطن والمواطن إلي أن أقعدته الشيخوخة مؤخرًا. رحم الله عبد المحسن حمودة الذي سيظل رمزًا للدفاع عن الحرية والعدالة الاجتماعية. من المفيد. بالمناسبة. أن نذكر إحدي المعارك التي خاضها شباب الوفد اليساري انتصارًا لحرية النشر. حيث قدم النائب الوفدي المخضرم استيفان باسيلي في بداية الخمسينيات مشروع قانون لتغليظ عقوبات النشر. فتصدي له النائب الشاب عضو الطليعة الوفدية عزيز فهمي قائلا: ¢كيف لحكومة الحريات أن تكون معولًا تهدم به الحريات¢. وتم وأد المشروع. لقطة داخلية: لا يملك الصحفيون سوي أقلامهم يعبرون بها عن آرائهم. ويعكسون بها نبض الشارع ليصل إلي المسئولين. ولذلك تتعجب عندما تري تكثيفًا أمنيًا حول نقابة الصحفيين أثناء اجتماع أعضائها داخلها لمناقشة أمور مهنتهم. بما يعطي انطباعًا بأن الصحفيين سيخرجون في مظاهرة تخريبية يجب علي الأمن الاستعداد لها!. ولقطة خارجية: منعت اسرائيل الآذان في القدس. ونشرت صحيفة إسرائيلية كاريكاتيرًا يسخر منه. ولم يستنكر أحد ممن أقاموا الدنيا عندما نشرت صحيفة دانمركية رسومًا مسيئة. موقف يستدعي مثلنا الشعبي: ¢مقدرش ع الحمار قدر ع البردعة¢.