أيا كان الفائز برئاسة أمريكا في انتخابات الثلاثاء القادم 8/11 التي يتصارع فيها مرشحان رئيسيان هما ملياردير العقارات دونالد ترامب.. ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. فإن المؤكد أن النتيجة في الحالتين ستكون بمثابة "زلزال سياسي" داخلي وخارجي يصعب الآن التكهن بحجم آثاره. أو المدي الزمني الذي ستحتاجه أمريكا لاحتواء هذه الآثار. * فوز هيلاري كلينتون سيكون بالدرجة الأولي أشبه ب "زلزال نسائي" فستكون أول امرأة في تاريخ أمريكا ترأس الولاياتالمتحدة. وتحمل رتبة القائد الأعلي للجيوش الأمريكية. وسوف يؤدي هذا الي صعود أسهم المرأة في الحياة السياسية الأمريكية وزيادة دورها وانتعاش طموحاتها. وهذا في حال حدوثه تغيير ايجابي إلي الأفضل. وسيكون فوز كلينتون رسالة اطمئنان داخلية للطبقة السياسية الحاكمة في العاصمة "واشنطون" والتي ينظر كثير من الأمريكيين اليها باعتبارها "الصندوق الأسود للسياسة الأمريكية" بفشل محاولة اختراقها من جانب "ترامب" القادم من خارج الصندوق. وبالتالي تبقي مصالح هذه الطبقة التي تتشكل من تحالف السياسيين وشركات السلاح ومؤسسات الأعمال في أمان في ظل قاعدة : الاستمرار والاستقرار. وسيكون فوز كلينتون رسالة طمأنة خارجية للمجتمع الدولي. ولحلفاء أمريكا في أوروبا والشرق الأوسط وغيرهما.. الذين سيشعرون بالارتياح لأنهم سيتعاملون مع شخصية يعرفونها جيدا. رغم أي تحفظات لأي طرف عليها. ولا يتوقعون معها أي تغيرات دراماتيكية في السياسة الأمريكية. أو في علاقات أمريكا الدولية. علي نفس قاعدة : الاستمرار والاستقرار. * فوز ترامب سيكون علي المستوي الداخلي أول اختراق للطبقة السياسية الحاكمة في واشنطون. من شخص قادم من "الفضاء الحر" خارجها. لا يعترف أصلا بالقواعد الكهنوتية التي تمارسها هذه الطبقة. ولم يلتزم بها أبدا. ولم يسبق له الاقتراب من الميراث التاريخي لها في الهيمنة علي السياسة الأمريكية. رغم "الشكل الديمقراطي" الذي تبدو عليه. وسيكون هذا بمثابة "زلزال سياسي" حقيقي لن تقتصر آثاره علي واشنطن وحدها. ان فوز ترامب سيثير قلق ملايين المهاجرين الذين يعيشون في مختلف الولاياتالأمريكية كما سيثير قلق الجاليات الاسلامية.. فقد توعد ترامب هؤلاء جميعا باعادة النظر في حالاتهم وترحيلهم. ومنع دخول أمثالهم الي الأراضي الأمريكية مستقبلاً. وعلي المستوي الخارجي سيثير فوز ترامب انزعاج المجتمع الدولي وفي مقدمته حلفاء أمريكا في أوروبا والشرق الأوسط وغيرهما.. بل وانزعاج المكسيك الجار الجنوبي للولايات المتحدة الذي تعهد ترامب حال فوزه باغلاق حدود أمريكا معها بجدار خرساني لمنع دخول المهاجرين منها. فسيكون علي الجميع التعامل مع شخصية جديدة. بسياسات وقواعد مختلفة تماما يصعب التكهن مسبقا بها. شخص واحد في العالم سيكون سعيدا بفوز ترامب هو الرئيس الروسي بوتين الذي أشاد بترامب اكثر من مرة. ويتوقع علي يديه تقدما في العلاقات الأمريكية الروسية. لكن.. من قال ان الأمور ستمضي علي هوي من سيفوز بالرئاسة من بين الاثنين.. كلينتون وترامب؟! ترامب استبق الانتخابات وأعلن أنه لن يعترف بنتائجها إذا لم تكن في صالحه. وهو هنا يذكرنا بموقف الإخوان في انتخابات الاعادة بين مرشحهم محمد مرسي. والفريق أحمد شفيق. حيث هددوا بأن الدماء ستسيل أنهارا في شوارع مصر إذا لم يفز مرشحهم. الفارق هنا فقط في أن الإخوان تعهدوا بالعنف علنا.. وهذا مطابق لمنهجهم.. بينما ترامب لم يتعهد بذلك. وان كان أنصاره قد يلجأون الي العنف. كما حدث في بعض فعاليات حملته الانتخابية من اشتباكات. أما لماذا لن يعترف بالنتائج إذا فازت كلينتون فلأنه يري أنه سيتم تزويرها. وقدم حيثيات لهذا الاتهام من واقع دراسة أجراها مركز أمريكي للأبحاث اسمه مركز "بيو" عام 2012. بأن هناك : 1 مليون و800 ألف متوفي مازالوا مسجلين في كشوف الناخبين. 2 ملايين الناخبين في مختلف الولايات يدلون بأصواتهم دون أن يكونوا مواطنين. 3 ناخبون كثيرون يدلون بأصواتهم في أكثر من ولاية. 4 احتمالات التلاعب في التصويت الذي يتم عن طريق البريد. وهناك ملايين الناخبين الأمريكيين يستخدمون هذه الوسيلة عوضا عن الذهاب بأنفسهم الي مراكز الاقتراع ويري ترامب أنه يمكن تغيير استمارات التصويت البريدية لصالح مرشح بعينه. هذه "ضربة حرة مباشرة" ليس للنظام الانتخابي الأمريكي.. بل للنظام السياسي برمته باعتباره الذي يسمح بذلك وللطبقة الحاكمة في واشنطن التي تتستر عليه. وهي ضربة للديمقراطية الأمريكية لسمعتها وهيبتها في الخارج أيضا. والغريب أن أحدا من معسكر كلينتون لم يدحض هذه الاتهامات وكل ما قيل. "إن قاعدة بيانات الناخبين قديمة ولم يتم تحديثها. لكن لايوجد أي دليل علي تزوير". ماذا يعني هذا؟! يعني ببساطة أنه إذا ظهرت نتيجة الانتخابات يوم 9/11 بفوز كلينتون ونفذ ترامب تهديده بعدم الاعتراف بها. فعلينا أن نتوقع حربا سياسية وقانونية وشعبية أيضا بين الطرفين. تتوقف نتائجها علي مدي قدرة النظام السياسي والطبقة الحاكمة في واشنطن علي التصدي لهذا المتغير التاريخي. وحماية نفسها ومصالحها في مواجهته. وإلي جانب هذا الاحتمال فإن المؤكد أن الكونجرس الذي يحتل الجمهوريون حزب ترامب أغلبية مقاعده. لن يترك كلينتون تهنأ بفوزها أو تستقر علي مقعد المكتب البيضاوي في البيت الأبيض لحظة واحدة. فالجمهوريون يستعدون من الآن بالعديد من الاتهامات لكلينتون في الكونجرس حول بريدها الالكتروني السري وحول مصادر تمويل مؤسسة زوجها "بيل كلينتون" ويمكن إذا ما نجحوا في الوصول الي أدلة قطعية تؤيد الاتهامين. أن تقترب كلينتون من مصير الرئيس الأسبق نيكسون في فضيحة "ووترجيت" الشهيرة. أمريكا في رأيي تتعرض لموقف غير مسبوق يتمثل في 3 احتمالات : * أن تنجح هيلاري وتنجح الطبقة الحاكمة في واشنطون في التصدي لتوابع هذا النجاح من جانب ترامب والجمهوريين وتحافظ علي أسرار الصندوق الأسود للسياسة الأمريكية. * أن يفوز ترامب. وتنجح الطبقة الحاكمة في واشنطن في التعامل معه تدريجيا حتي تتمكن من احتوائه ووضعه علي "التراك" وان يصبح جزءا من الصندوق الأسود ومصالح المتحالفين فيه. * أن يفوز ترامب بالانتخابات وتعجز الطبقة الحاكمة عن احتوائه. ويقود مع أنصاره مرحلة تغيير جذري في أمريكا من الداخل وعلاقاتها مع الخارج. والمثير للانتباه أنه يوجد من داخل الطبقة السياسية الحاكمة في واشنطن من يحاول أن يجعل فوز كلينتون صعبا في اللحظات الأخيرة. ربما لكسر غرورها. أو لاثبات الحياد الظاهري أمام ترامب حتي لا يشكك في نزاهة الانتخابات. أقصد بذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" الذي ما أن اتهمه ترامب بالتواطؤ مع كلينتون في قضية سوء استخدامها لبريدها الالكتروني حتي كشف عن مزيد من الرسائل السرية لكلينتون أضرت بموقفها وساهمت في تقليص الفارق بينها وبين ترامب. ومازلنا نتوقع مفاجآت جديدة حتي اللحظة الأخيرة.