انتقد فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر خلال افتتاحه المؤتمر الدولي للافتاء بالقاهرة مؤسسات ودور الفتوي في العالم الإسلامي وامتد نقده إلي مجمع البحوث الإسلامية الذي يتولي رئاسته حيث يري الشيخ الذي تحدث بصراحة وموضوعية أن مؤسسات الفتوي والاجتهاد الفقهي لم تستطع مواجهة تيارات التشدد الديني وجماعات التكفير. كما أنها لم تستطع أن تعالج الخلل الواقع نتيجة الانفصام الذي بدأ يتسع يوماً بعد يوم بين حياة المسلمين المعاصرة وحاجاتها وضروراتها من جهة. وبين حالة التيه التي تعيشها نتيجة سيطرة "فقه عبثي" يطرق أسماع الناس ليلاً ونهاراً. ويطاردهم حيثما كانوا. ليردهم لا إلي يسر في الشريعة ورحمة في القرآن والسنة. وإنما إلي أخلاط من الآراء المتشددة التي قيلت في مناسبات خاصة. وتحت وضغط ظروف طارئة. ليس بينها وبين واقع الناس الآن صلة ولا نسب. هذا الفقه العبثي الذي حذر منه شيخ الأزهر موجود بالفعل في حياتنا المعاصرة ومسيطر علي عقول الكثيرين وله كتائب موازية من المفتين. نجحوا في أن يتغلبوا علي كثير من دور الإفتاء في عالمنا العربي. **** والواقع أن كل ما قاله شيخ الأزهر عن دور مؤسسات الفتوي في العالمين العربي والإسلامي صحيح حيث لم تستطع ملاحقة موجات التكفير والتضليل التي تجتاح البلاد العربية والإسلامية وانتقلت لتشوه صورة الإسلام في جميع قارات العالم.. كما كان شيخ الأزهر محقاً عندما وصف معظم فتاوي هذه المؤسسات بأنها "فتاوي فردية راكدة. مقصورة علي المستفتي. أو حبيسة مجلدات علمية لا يفيد منها ملايين الجماهير من المسلمين. أو رهن مؤتمرات يحدث فيها بعضنا بعضا. ونتواصي في نهاياتها بما شاءت لنا أحلامنا من آمال وأمان لا تجد من المختصين من يرعاها أو يتابعها أو يسعي إلي تنزيلها علي واقع الناس". لكن.. هذا التشخيص الدقيق لدور ومؤسسات الفتوي في العالمين العربي والإسلامي أري أنه من الظلم وضع دار الإفتاء المصرية في إطاره. فالدار خلال السنوات العشر الأخيرة قد انتقلت نقلة نوعية كبيرة وامتد نشاطها في الداخل والخارج وارتفع صوتها واقتحمت أوكار المتطرفين والتكفيريين الإلكترونية وحللت واجتهدت واستنتجت وردت علي ما فيها من أباطيل وأكاذيب ورصدت من خلال مرصد الفتاوي التكفيرية المتشددة المئات من الفتاوي الشاذة والغربية.. كما رصدت من خلال مرصد الإسلاموفوبيا مواقف عدائية كثيرة تجاه الإسلام والمسلمين في الغرب وحذرت منها وردت عليها من خلال باحثيها ومدت وسائل الإعلام المختلفة بهذه الردود وتلك التحذيرات. قد يكون لي أو لغيري من المراقبين لأداء المؤسسات الإسلامية ملاحظات علي أداء دار الإفتاء المصرية كما لنا ملاحظات علي أداء الأزهر نفسه. وكم كتبت هنا وفي مطبوعات أخري العديد من المقالات النقدية لأداء المؤسسات الإسلامية عموماً والأزهر والإفتاء والأوقاف خصوصاً.. لكن هذه الملاحظات لا تعني أن نغمط دار الإفتاء المصرية حقها وأن ندعم جهودها وأن نشجع القائمين علي شئونها بكلمة حق دون مجاملة خاصة أنها قد فرضت نفسها علي الساحة الإسلامية بجهود طيبة لدرجة أن البعض كان يضعها في مقارنة مع الأزهر وهي مقارنة ظالمة فالأزهر بضخامة رسالته وحجم نفقاته وتعدد وتنوع مؤسساته يقوم بما تعجز عنه الإفتاء المحصورة في مبني صغير وعدد محدود من العلماء والموظفين. **** جميل أن ينتقد شيخ الأزهر أداء مؤسسات الفتوي.. لكن الأجمل أن نري رؤيته الثاقبة ورغبته الصادقة في تطوير الرسالة وتحسين الأداء مترجمة علي أرض الواقع من خلال تطوير أداء مؤسسات الأزهر وخاصة مجمع البحوث الإسلامية الذي يحتاج بالفعل إلي بعث جديد.. فالمجمع بما يمتلك من إمكانات علمية وفقهية وبما يضم من علماء كبار في تخصصات عدة يستطيع أن يحرك المياه الراكدة في ساحة العمل الإسلامي وفي تجديد حقيقي وفعلي للخطاب الديني بعد أن تحول هذا التجديد إلي شعارات يتسابق العلماء والمسئولون في المؤسسات الإسلامية إلي ترديدها دون أن نري تغييراً في جمود هذا الخطاب أو تطويراً في أداء معظم الدعاة. الشكر واجب لشيخ الأزهر علي مكاشفاته الصريحة للعلماء والدعاة. وعلي تحمل نصيبه من تهمة التقصير أمام الله وأمام المسلمين. ونحن نؤكد لفضيلته أن الأزهر هو القدوة لكل المؤسسات الإسلامية ونتمني أن يكون مثالاً في تطوير الأداء وتجديد الخطاب الديني والقدرة علي تجسيد صورة حضارية للإسلام في كل مكان يذهب علماؤه ودعاته إليه كما يفعل شيخ الأزهر نفسه. جمود الفتوي. وتهيب الاجتهاد. والعجز عن كسر حاجز الخوف من التجديد. وغير ذلك مما تحدث عنه الإمام الأكبر في مؤتمر الإفتاء يحتاج إلي جهود مضاعفة من الأزهر أولاً بما لديه من علماء وكليات شريعة ومجمع بحوث إسلامية وهيئة كبار علماء.. فهل يأخذ الأزهر زمام المبادرة؟