الخطاب الذي ألقاه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في المؤتمر الأول لأمانة الافتاء العالمية الذي عقد بمصر الاثنين الماضي - يستحق التأمل والتوقف أمامه لأنه خروج علي المألوف في أكثر مؤتمراتنا التي يحرص المشاركون فيها علي الاشادة بكل شيء وتقديم ما تم انجازه فقط بدون ذكر السلبيات أو وتضخيم ما تم انجازه بل انتحال انجازات إذا ما بحثت وراءها لا تجد شيئاً. بل إذا بحثت وراءها وجدتها تؤدي عكس ما وضعت له أو وجدت شكلا لا مضمون له. الخطاب المهم الأخير نستطيع أن نسميه خطاب حساب النفس ومواجهتها من قبل أعلي قمة في المؤسسات الدينية وأمام جموع من قيادات المسلمين في العالم يواجهون نفس الحساب ويحتاجون هذه الوقفة. لذا فإن تأمل خطاب الإمام. وكل خطابات الإمام من الأهمية بمكان لأنك دائما تجد فيه حكمة عمر قضاه صاحبه في البحث والعلم والتأمل لأوضاع مجتمعه. والشعور بالمسئولية نحوه. بل لا تعدم أن تجد تجليات العالم الصوفي الخالص الذي يقدم عصارة روح ويقين عارف وزهد متملك. فإذا عدنا للخطاب الكاشف أو المقتضب وجدناه خارجا - لما قلت - عن سياق أحاديث المؤتمرات التي تزين كل شيء خاصة في الكلمات الافتتاحية وحتي في المؤتمرات التي تقام أحيانا تحت عناوين توحي بالمكاشفة ومحاسبة النفس. كاشف الشيخ المشاركين بأمراض عدة ربما هي لب الأزمة الفكرية التي تعيشها المجتمعات وأهمها: الاجتهاد الذي لا يري واقع الأمة ويتجاهله أو يراه ويصمت عنه طلباً للسلامة وإراحة للنفس من عناء التفكير في حلول جديدة بدلا من الحلول الجاهزة المجمدة منذ مئات السنين فتأتي الفتاوي بمزيد من المعاناة لسائل ينشد الحلول لأزماته لأنها تعالج أمراضاً حديثة تطور فيها الميكروب بعلاجات قديمة كانت مناسبة جداً في الماضي لكن الحاضر تجاوزها بمستجدات كثيرة ومتنوعة.. تلك المستجدات أو الواقع الجديد هو محور أساسي من محاور تقديم الفتوي والحل للأزمة فمثلا قد يسأل سائل عما يصنع في شيء وجده في مكان ما فيقول له المفتي نقلا عن اجتهادات قديمة تقوم بالإعلان عنها عام في مكانها مثلا وهي إجابة كانت مناسبة في زمانها أما الآن فإن من التخفيف أن تكون هناك هيئة في كل حي لمثل هذه الاشياء يتجه إليها من يجد ليسلمها بنظام معين ويتجه إليها الفاقد ليسأل عنها وتقوم الهيئة بحفظ حق من وجدها من نسبة مقررة وتقوم أيضاً بالتصرف فيما لم يهتد إلي صاحبها من الأشياء لصالح مؤسسات في حاجة إلي دعم كالمستشفيات والمدارس وأصحاب الحاجات وتحفظ لمن وجدها في كل الأحوال نصيبه وهذا نموذج بسيط. أما الموضوع الثاني فهو ما اسماه الإمام بالفتاوي المستوردة والعابرة للدول من دون أن ترعي أحوال المجتمعات ضاربة عرض الحائط باختلاف الأعراف والعادات والثقافات وهو أمر شديد الخطورة والأهمية أفرز مشكلات لاحد لها وضيق علي الناس حياتهم أذكر في ذلك ما حدث عندما ذهبت إلي مجموعة كبيرة من المسلمين الجدد من اتحاد أوروبا وأمريكا وهم في زيارة لمصر فوجدتهم بجلاليب قصيرة ولحي طويلة فلما هممت بالتقاط صور لمن اتحدث إليه فزع فزعاً شديداً ورفض رفضاً باتاً فشلت أن أقنعه بصواب التصوير في زمن لم يعد التصوير الثابت أو المتحرك ترفاً وإنما أصبح وثيقة يحتاجها الناس كثيراً بل وسيلة مهمة من وسائل الاقناع. ونموذج التصوير هذا واحد من افكار تنقل نقلا من الماضي البعيد إلي حاضرنا وتنقل مرة أخري إلي مجتمعات شديدة التغيير كأن يحرص المسلم في الغرب أن تسير زوجته خلفه فقط فلا تتقدم أمامه أو تساويه بل يحرص أن ترتدي نقابا وهي أمور قد تسبب عنتا للمسلمين الجدد وتجلب عليهم التضييق من قبل مجتمعات تستغرب ذلك بل تجلب عليهم الاستهداف في ظروف يلاحق الإسلام فيها ويتربص بأتباعه من لا يعرف حقيقته ومن يعرفها لكن في نفسه ما فيها منه.