رغم تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتفاقم أزمات الديون السيادية بعدد من الدول الأوروبية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تؤسس قمة "مجموعة العشرين" التي تعقد بمدينة هانغتشو الصينية اليوم وغداً بمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي لمرحلة جديدة من التعاون بين الدول ذات الاقتصاديات الكبري والنامية لمواجهة شبح الركود الاقتصادي والإجراءات الحمائية التي تشكل تهديداً بالغاً لحرية التجارة والنمو الاقتصادي العالمي. وفي تقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط كتبه طارق عبدالغفار قال: جاءت دعوة مصر للمشاركة في قمة العشرين ك"ضيف خاص" باعتبارها ركيزة للاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني بمنطقة الشرق الأوسط وتقديرا للإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تنفذها حالياً والتي مهدت الطريق أمام إبرام الاتفاق بين القاهرة وصندوق النقد الدولي في أغسطس الماضي والذي ستحصل مصر بمقتضاه علي حزمة من المساعدات المالية تصل قيمتها إلي 12 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة القادمة. علاوة علي المشروعات القومية العملاقة التي دشنتها الحكومة المصرية وفي مقدمتها مشروع قناة السويس الجديدة. ومشروع زراعة المليون ونصف المليون فدان وغيرها. كان نائب وزير خارجية الصين تشانج مينج الذي سلم خلال زيارته للقاهرة مؤخراً دعوة من الرئيس الصيني شي جين بينج للرئيس عبدالفتاح السيسي لحضور القمة الحادية عشرة لمجموعة العشرين قد أكد أن "دعوة الرئيس الصيني للرئيس السيسي- الذي يعتبر أخا عزيزا يمثل مصر الدولة الصديقة- لحضور هذه القمة يدل علي ثقل مصر في الدبلوماسية الصينية". ومن جانبه شدد الرئيس السيسي مؤخراً علي حرص مصر علي استثمار رصيد العلاقات المتميزة مع الصين علي مدي سنوات طويلة وزيادة التعاون المشترك في كافة المجالات. ووجهت الحكومة الصينية أيضاً الدعوة لزعماء أربع دول نامية لحضور قمة "مجموعة العشرين" هي كازاخستان. وتشاد "التي تترأس الاتحاد الأفريقي". ولاوس "رئيس رابطة دول جنوب شرق آسيا "أسيان". والسنغال "رئيس الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا "نيباد". وتضم "مجموعة العشرين" التي تأسست عام 1999 بهدف دعم آليات النمو الاقتصادي العالمي: الأرجنتين. واستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية وتركيا وبريطانياوالولاياتالمتحدة. علاوة علي الاتحاد الأوروبي. وتأسست "مجموعة العشرين" بناء علي مبادرة من مجموعة السبع الصناعية. بهدف جمع الدول الصناعية الكبري مع الدول ذات الاقتصاديات الناشئة كالصين والبرازيل والهند. لمناقشة الموضوعات الرئيسية التي تهم الاقتصاد العالمي وتعزيز الحوار البناء بين الدول الصناعية والاقتصادات الناشئة. خصوصاً فيما يتعلق باستقرار الاقتصاد الدولي. ويلتقي زعماء دول مجموعة العشرين سنوياً. فيما يجتمع وزراء مالية المجموعة ومحافظو البنوك المركزية عدة مرات خلال العام. ومن أبرز أهداف المجموعة تعزيز الاقتصاد العالمي وتطويره. بالإضافة إلي إصلاح المؤسسات المالية الدولية وتحسين النظام المالي. ودعم النمو الاقتصادي العالمي. وتطوير آليات فرص العمل. وتفعيل مبادرات التجارة الحرة. وجاء إنشاء مجموعة العشرين ردا علي الأزمات المالية التي حدثت في نهاية التسعينيات من القرن الماضي. خصوصاً الأزمة المالية الأسيوية عام 1997 وأزمة المكسكيك. وتعد قمة هانغتشو أول قمة لمجموعة العشرين تستضيفها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وتعقد تحت شعار "بناء اقتصاد عالمي إبداعي ونشط ومترابط وشامل". 80% من التجارة العالمية وسيبحث قادة دول المجموعة التي تستحوذ علي أكثر من 80 في المائة من التجارة العالمية. سبل تعزيز النمو الاقتصادي العالمي. وتجنب أية أزمات مالية جديدة في ضوء المحفزات الخمسة التي أقرها وزراء تجارة المجموعة مؤخرا لمواجهة الحماية التجارية التي تنامت بشكل يثير القلق. والتي تندرج في إطار استراتيجية للنمو التجاري العالمي تشمل خفض تكلفة التجارة. وزيادة تنسيق السياسات ودعم قرار الاستثمارات العالمية. وتعزيز تمويل التجارة. وتحفيز قطاع الخدمات. ومواجهة الحماية التجارية المتنامية. في السياق ذاته. حذرت مؤسسات التمويل الدولية ومن بينها صندوق النقد والبنك الدوليين من أن النمو الاقتصادي العالمي يواجه تحديات ضخمة تتمثل في تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني. وتنامي خطر الإرهاب. واستمرار التقلبات في الوضع المالي. وتفاقم النزاعات المسلحة والهجرة غير الشرعية. وهو ما يجعل البيئة الاقتصادية علي المستوي العالمي أكثر تعقيدا. وشددت تلك المؤسسات علي أن السياسات النقدية شديدة المرونة التي تنتهجها المصارف المركزية بالدول الكبري غير كافية لتحفيز النمو. داعية تلك الدول إلي زيادة معدلات الإنفاق العام حال توفر الموارد لديها لدعم النمو الاقتصادي الهش. وحث صندوق النقد الدولي بعض الدول وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة. واليابان وألمانيا والصين علي زيادة الإنفاق العام واستخدام كافة الأدوات المتاحة لإنعاش الحركة الاقتصادية وتعزيز الإنفاق علي البنية التحتية. مخاوف من جهة أخري خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي للعام الجاري وسط مخاوف من جانب مسئولي النقد والمال والاقتصاد في دول "مجموعة العشرين" حول إمكانية تعرض الاقتصاد العالمي للمزيد من الهزات وخاصة عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأكد صندوق النقد الدولي مؤخرا- بعد خفض توقعات النمو العالمي لعامي 2016 و2017 إلي 1.3%. و4.3% علي التوالي- "أن المخاطر باتت أكثر وضوحا". مؤكداً أن نمو إجمالي الناتج المحلي علي المستوي العالمي يمكن أن يسجل "بطئا أكثر حدة إذا استمر الغموض السياسي والاقتصادي متصاعدا جراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". وطبقاً للإحصاءات الصادرة عن صندوق النقد الدولي. فإن الاقتصاديات الصاعدة والنامية تمثل 85 بالمائة من سكان العالم. و60 بالمائة من إجمالي الناتج العالمي. وتسهم بأكثر من 80 بالمائة من النمو العالمي منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008 في الوقت الذي أسهمت فيه الصين بمفردها بنحو 35 بالمائة من النمو العالمي في الأعوام الخمسة الماضية. وأشار صندوق النقد إلي أنه "توجد حاجة ملحة إلي تدخل دول مجموعة العشرين لإعادة قطار النمو العالمي إلي مساره". بدوره. خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي عام 2016 من 9.2 في المائة إلي 4.2 في المائة نتيجة الصعوبات التي تجابه النمو والانفاق العام بالدول ذات الاقتصاديات الكبري. كان زعماء دول مجموعة العشرين قد اتفقوا عام 2014 علي تنفيذ حزمة من الإصلاحات لزيادة معدل النمو الاقتصادي العالمي بنحو 2 في المائة علي مدي الأعوام الخمسة القادمة. إلا أن تلك الإصلاحات مازالت معلقة رغم الآمال العريضة التي تبديها كافة دول العالم بشأن إمكانية تحرك دول مجموعة العشرين لدعم التعافي الاقتصادي العالمي باعتبار أن التنمية الاقتصادية تعد شرطا أساسيا لتحقيق الأمن وتجنب المخاطر الناجمة عن الركود الاقتصادي وستعطي "قمة هانغتشو" اهتماماً خاصاً لما يمكن للصين- التي تمتلك أضخم احتياطي نقدي أجنبي في العالم- تقدمه لتعزيز النمو علي المستوي العالمي بالرغم من مشكلاتها الاقتصادية وانخفاض نمو ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2015 إلي 9.6 في المائة. وهو أقل معدل خلال ربع قرن وسط توقعات باستمرار الانخفاض أيضاً خلال عام .2016 ضبابية المشهد الاقتصادي من جهة أخري. حذر وزراء مالية دول مجموعة العشرين. في اجتماعهم الذي عقد مؤخراً في مدينة تشينغدو الصينية. من الضبابية التي تحيط بالمشهد الاقتصادي العالمي عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتراجع معدلات النمو بعدد من الدول الكبري مؤكدين علي قتامة الوضع الاقتصادي العالمي. وأكد وزراء مالية مجموعة العشرين أنه يتعين تحسين السياسات الضريبية في مختلف أنحاء العالم لتعكس العولمة وتعزز النمو الاقتصادي المستدام والمتوازن اجتماعياً. وفي ذلك الصدد. قالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد أنها توافق علي أن تكون السياسة الضريبية جزءاً من إصلاحات تقودها الدول الأعضاء في مجموعة العشرين. معربة عن قلقها من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. وقال هاروهيكو كورودو محافظ بنك اليابان إن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي يعد من الموضوعات "الرئيسية" التي يتضمنها جدول أعمال قمة مجموعة العشرين. من جهته قال وزير المالية الفرنسي ميشال سابان إن "الدول التي تمتلك فوائض في ميزانياتها يجب أن تستخدمها لدعم الاستثمار وخاصة في مجال البنية التحتية. من جهة أخري حذر وزراء تجارة مجموعة العشرين من تنامي الإجراءات الحمائية وتباطؤ نمو التجارة العالمية. وقال وزير التجارة الصيني قاو هو تشنغ إن وزراء تجارة دول مجموعة العشرين اتفقوا مؤخرا علي خفض تكلفة التجارة وزيادة تنسيق السياسات وتعزيز التمويل وذلك لمواجهة تنامي الحماية التجارية. مضيفاً أن وزراء مجموعة العشرين أقروا استراتيجية للنمو التجاري. تهدف إلي وقف تباطؤ التجارة العالمية ودفعها إلي النمو. وفي الوقت ذاته. أكدت الصين علي لسان منسق "مجموعة العشرين" أن المجموعة تواجه ثلاثة تحديات حالياً تتمثل في مشكلة التنسيق والقدرة علي التطبيق والتنفيذ والقدرة علي القيادة وذلك علي خلفية سعي المجموعة إلي إصلاح نظام الحوكمة العالمية. وهو ما يتطلب إصلاح النظام الدولي المرتبط بتوزيع المصالح الدولية. وشددت الصين علي ضرورة العمل داخل مجموعة العشرين في ثلاثة جوانب تتمثل في تحقيق مزيد من الإصلاحات الفعلية داخل صندوق النقد الدولي وتوسيع نطاق تشغيل حقوق السحب الخاصة وإنشاء آلية استقرار أسعار السلع الأساسية. وفي المقابل تسعي الدول النامية إلي حماية مصالحها في مواجهة هيمنة اقتصاديات الدول الكبري خلال قمة مجموعة العشرين. وأكدت منظمة مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية "اونكتاد" أن الدول النامية تخسر سنوياً ما قيمته 23 مليار دولار أي ما يعادل 10 في المائة من إجمالي صادراتها إلي دول مجموعة العشرين جراء عدم الامتثال لتدابير المجموعة غير الجمركية والتي تتضمن مجموعة واسعة من السياسات القانونية المشروعة ومنها التدابير الصحية والبيئية. وأشارت أونكتاد في تقرير أصدرته مؤخراً حول العلاقات التجارية بين البلدان النامية ودول مجموعة العشرين- إلي أنه مع انخفاض الرسوم الجمركية في العالم إلي أدني مستوي لها تاريخيا فإن التدابير غير الجمركية التي حلت محلها أصبحت تقف حجرة عثرة أمام نمو التجارة العالمية بشكل أسرع مع حرص الدول المتقدمة علي توسيع قائمة التدابير غير الجمركية التي ترتبط بأمان الصادرات الواردة إليها ومدي نظافة المنتجات التي تصلها من الدول النامية وتوفر الاشتراطات البيئية فيها. وتؤكد المؤشرات أن قمة مجموعة العشرين سترسم خريطة طريق تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات والحوكمة الاقتصادية الدولية لمواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي والإجراءات الحمائية في مجال التجارة.