لا أعرف سبباً واحداً يجعل أي مصري يشمت في بلده ويتربص بها ويفرح إذا تعرضت لأزمة.. ويقلل من شأن أي إنجاز.. ويساهم في إثارة البلبلة وتهديد الاستقرار وانهيار الاقتصاد.. هؤلاء أصحاب الأصوات العالية والناشطون علي السوشيال ميديا والفضائيات الذين تحولوا من مؤيدين إلي معارضين.. لأن أغراضهم انكشفت ولم يحصلوا علي المقابل.. أصابهم الجنون وقرروا هدم المعبد علي رءوس الجميع. لا شك أننا في أزمة اقتصادية أثرت علي الجوانب السياسية والاجتماعية.. ولكن بدلاً من الهجوم غير المبرر علي كل شيء.. يجب أن نتساءل.. ما أسباب هذه الأزمة الاقتصادية وسبل الخروج منها؟.. لكي نجيب علي هذا التساؤل.. فإننا يجب أن نستحضر فترتين من الماضي القريب.. الفترة الأولي تبدأ مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي وتستمر خلال السنوات العشر الأولي من الألفية الثالثة.. والفترة الثانية منذ عام 2011 وحتي الآن. في الفترة الأولي تعاقب علي مصر ثلاثة أنظمة إذا استثنينا المدة القليلة التي تولي فيها الرئيس محمد نجيب حكم مصر.. هذه الأنظمة الثلاثة وضعت اقتصاد مصر تحت التجربة.. فالنظام الأول قضي علي الرأسمالية الناشئة في البلاد بالتأميم وتحول إلي النظام الاشتراكي في مجتمع غير مهيأ لهذا النظام.. فظهر الفساد في القطاع العام الذي حل محل القطاع الخاص.. وجاء النظام الثاني ليتحول إلي خليط من الرأسمالية والاشتراكية فيما يعرف بالانفتاح الاقتصادي.. أما النظام الثالث والذي استشري خلاله الفساد وتشعب وتجذر في كل مفاصل الدولة وسيطر أصحاب المال والمقربون علي المناصب الوزارية والنيابية.. وسيطروا علي مقدرات الشعب.. وارتفعت أسعار الأراضي والعقارات والسلع.. وخسرت الطبقة المتوسطة أموالها فيما يعرف بتوظيف الأموال.. وتلاعب الحيتان في البورصة ودمروا البقية الباقية من الطبقة الوسطي.. وتركزت الثروة في يد فئة قليلة وظهر الاحتكار بأبشع صورة.. فكان سبباً في ثورة الشعب علي هذا النظام وإسقاط رأسه فقط وبقيت فروعه وجذوره ممتدة ومتشعبة ومتغلغلة في كل مكان. أما الفترة الثانية والتي عاصرناها وتعايشنا معها فهي تلك الفترة الواقعة بين 25 يناير 2011 وحتي الآن والتي شهدت تعطل العمل والإنتاج في العديد من المصانع والشركات.. وارتفاع سقف المطالب الفئوية.. وتعرض قطاع السياحة الحيوي للتدمير.. وتأثر قناة السويس بالأزمة الاقتصادية العالمية خاصة بعد انخفاض أسعار البترول وغيرها من مصادر الحصول علي النقد الأجنبي.. مما أدي إلي نقص حاد في العملات الأجنبية.. وأكمل المتربصون بمصر المهمة بمحاولة سحب ما تبقي من رصيد نقد أجنبي بأسعار مبالغ فيها.. مما أدي إلي تأثر احتياطي النقد الأجنبي وانخفاض سعر العملة الوطنية وبالتالي ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر. كل ذلك يؤكد أن الفساد مستشر ومتشعب ومتغلغل ويحتاج إلي وقت طويل لكشفه والقضاء عليه.. وقد بدأت عمليات الكشف عن الفساد وطالت وزراء ونشطت الأجهزة الرقابية خاصة هيئة الرقابة الإدارية التي تقوم بمجهود مضاعف هذه الأيام لكشف الفساد في كل الوزارات والهيئات الحكومية والخاصة.