أغادر مصر لاداء فريضة الحج باكياً مثل طفل صغير فأنا لم احتمل فراق مصر حينما كنت في زهرة العمر وميعة الصبا وسن الشباب فكيف أحتمل فراقها وأنا شيخ أقترب سريعاً من سن الفناء واذا كانت أرض الحرمين الشريفين هي مهبط الوحي لاعظم رسالة توحيد وهي الأراضي المقدسة التي تهفو اليها قلوب المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها فان مصر هي أرض جميع الأنبياء واليها تهفو قلوب كل البشر وجميع المتدينين في العالم. فمصر ذكرت في القرآن الكريم.. ومصر جاءها سيدنا إبراهيم عليه السلام بصحبة زوجته السيدة سارة حينما عم القحط والغلاء بلاد الشام وضاقت سبل العيش هناك.. وهبط سيدنا إبراهيم أرض مصر حين كان القابض علي زمامها والمسيطر علي امورها أحد ملوك العرب العماليق وتحكي لنا روايات التاريخ كيف نجا الله السيدة سارة من براثن هذا الملك وبعد ان رأي رؤية منامية ابتعد عنها ووهبها السيدة هاجر لتكون خادمة لها.. وقد اقام إبراهيم في مصر فترة من الزمن ثم رحل إلي موطنه فلسطين وبصحبته زوجه وخادمتها ومعهم انعام كثيرة ومال وفير. كانت السيدة سارة عقيما لا تلد فاشارت علي سيدنا إبراهيم ان يتزوج هاجر التي انجبت له غلاماً ذكياً هو سيدنا إسماعيل وبعد ذلك أخذ إبراهيم هاجر وابنها إلي مكان البيت بمكة وهناك يعطش الطفل فتسعي ستنا هاجر بين الصفا والمروة سبعة اشواط وهنا تحدث المعجزة حينما يضرب الطفل الأرض هكذا تكون مصر هي أم العرب ويكون المصريون اخوانهم. ولم تقف قصة مصر مع الانبياء عند إبراهيم وحسب بل تصبح مهبطاً لسلالته ويشاء القدر ان يباع يوسف بن يعقوب بعد انتشاله من الجب إلي عزيز مصر ويربي في بيته ثم يدخل سجن مصر ليحكمها بعد ذلك والشيء "العجيب" ان مصر كانت الملجأ والمنقذ لأهل الشام عبر التاريخ فلما امتد القحط إلي أرض كنعان أو فلسطين استقدم يوسف أباه يعقوب ابن اسحاق وابناءه الاسباط ليعيشوا في مصر وهكذا تصبح مصر للمرة الثانية مقاماً يتكاثر ابناء يعقوب "إسرائيل" ويتناسلون علي أرض مصر حتي يصبحوا شعباً ليتعرضوا لاضطهاد الفرعون واستبداده فيشاء القدر ان يولد منهم وفيهم سيدنا موسي عليه السلام ليتربي في بيت فرعون ليكون موسي له عدواً وحزناً ويذهب ملك الفرعون علي يديه وشاء الله ان يخلص بني إسرائيل من ظلم الفرعون فاختار موسي نبياً ورسولاً وناداه عند جانب الطور الايمن فيدعو موسي ربه ان يعينه بهارون أخيه وتتوالي قصة سيدنا موسي حتي يخرج ببني إسرائيل من مصر إلي الأرض المقدسة ويعبر بهم البحر بمعجزة العصا ويستمر في الرحيل حتي استقر في سيناء وهناك سأل ربه كتاباً يهتدون به.. أمر الله موسي ان يتطهر ويصوم اربعين يوماً ثم يأتي إلي طور سيناء حتي يكلمه ربه فيتلقي امره في كتاب يكون لهم المرجع والمآب وهناك كلم الله وتشرفت مصر باحتضان السيد المسيح وهو وليد برفقة أمه العذراء وأجل الله يوسف التجارة لمدة ثلاث سنوات ونصف