الاقتصاد غير الرسمي ملف قديم جديد.. إذا نجحت مصر في فك لغزه وطلاسم تفاصيله فإنها تكون قد أضافت لاقتصادها عنصراً جديداً طالما تحدثت عنه كثير من الحكومات والأنظمة المتعاقبة. الاقتصاد غير الرسمي.. نشاط تفشي وأضحي يسيطر علي نحو 65% من اجمالي حركة الاقتصاد وبما قيمته نحو 2.2 تريليون جنيه وبما يعادل اجمالي الناتج المحلي وذلك بإهدار ضرائب تبلغ نحو 330 مليار جنيه هذه الضرائب يمكنها الاستغناء عن الاقتراض ومن ثم قلب عجز الموازنة إلي فائض وهو ما نجحت فيه حكومات بعض الدول. خبراء الاقتصاد عددوا أسباب هذه الظاهرة إذ أن مصر لا تطبق القوانين بحزم ومساواة وأنه لا توجد دولة في العالم تفرض تأمينات تصل 40% ثم تخفضها إلي 5.22%. فضلاً عن افتقار الدولة لنظام محاسبي عادل. كما أنها لا تشجع عملياً جذب أصحاب الاقتصاد غير الرسمي. الاقتصاد غير الرسمي يطلق عليه البعض "الاقتصاد الأسود" بات يضم نحو 47 ألف مصنع تحت بير السلم بجانب 1200 سوق عشوائي فضلاً عن وجود نحو 82% من الشركات الصناعية والتجارية غير موثقة. "الجمهورية" رصدت هذه الظاهرة ووقفت علي عدة محاور من خلالها يمكن ضمان نجاح ضم هذه الظاهرة إلي الاقتصاد الرسمي أهمها تفعيل دور البنوك وضخ أموال ومساعدات من شأنها جذب هذا النشاط لفتح سجلات تجارية خاصة به وكذلك اخضاعه لنظم محاسبية ضريبية عادلة مع الرقابة علي الأسواق العشوائية وتوفير قاعدة بيانات عن تعاملاتهم مع الدولة. فيما أكد البعض أن "البيروقراطية" وراء تأخير إصدار الموافقات الحكومية والتراخيص لإنشاء مصانع مرخصة بدلاً من مصانع بير السلم. يوضح أسامة عبدالحليم خبير مصرفي أهمية دور البنوك في مساعدة الاقتصاد غير الرسمي علي دمجه في الاقتصاد العام الرسمي من خلال عدة محاور تبدأ من توفير التمويل بفائدة مخفضة لإقراض الراغبين علي الدخول في الاقتصاد الرسمي واخضاعهم لنظام ضرائبي ومحاسبي حاسم تحت أعين الدولة وعدم التوسع في الأنشطة بعيداً عن الأطر والآليات التي تضعها لهذا الغرض. مواجهة المتلاعبين يضيف عبدالحليم أن دمج الاقتصاد غير الرسمي سيخفف الضغط علي الدولار وما تعاني مصر من انخفاض موارده. طالب الحكومة بالتحرك المدروس والسريع للمساعدة علي توفير مناخ شرعي لهذه التعاملات. موضحاً أن مواجهة المتلاعبين بالسوق العشوائية في الاقتصاد غير الرسمي لا يقل أهمية عن مواجهة المضاربين في سوق الصرف. يقول إن الأسواق العشوائية للتجارة والصناعة المخفية هي أحد أكبر معامل تفريخ المتهربين من التعاملات الرسمية للدولة مع ضرورة وضع أنظمة حازمة وآليات واضحة للتعامل مع الباعة الجائلين تضمن وجود منهج ثابت لضمهم للقطاع الرسمي تبدأ من بطاقة ضريبية لنشاطهم واعفائهم لمدة محددة ثم يعقبها المحاسبة وسداد التزامات كل نشاط بما عليه من مسئولية مجتمعية. إصلاحات تشريعية يقول د.علاء الدين محمود بمعهد التخطيط إن الدولة طوال الفترة الماضية لم تتخذ حلولاً جذرية لمواجهة تنامي هذه الظاهرة ولم تحاول دمجها في القطاع الرسمي. يطالب بوضع إجراءات إصلاحية تشريعية وتوحيدها في جهة واحدة وليست جهات متعددة ومحاولة جذب الراغبين في التعامل مع الدولة وتقبله ولا ترفضه. إذ أن عدم دخول هذا النشاط في الاقتصاد العام الرسمي يؤثر علي الصناعة وبما يقدمه من منتجات إنتاجية رديئة. كما أنه باب خلفي للتهريب وهو ما يهدد المصانع الرسمية حيث يواجه إنتاجها بوفرة فيما تطرحه العشوائية من سلع رديئة رخيصة تتمشي ومداخيل الطبقات الفقيرة وهي كثيرة في مصر. تكتلات نوعية يضيف د.طارق حماد عميد تجارة عين شمس سابقاً أن الاقتصاد غير الرسمي يقدم نوعاً من الخدمات غير القانونية والصناعات غير المطابقة للمواصفات والتي تسبب الكثير من المشكلات لمستخدميها. يطالب حماد الدولة بضرورة دمج الأسواق العشوائية في الاقتصاد الرسمي وحماية مشروعاته الصغيرة وتقنينها واخضاعها لبرامج تدريبية علي استخدام المواصفات والتكنولوجيا والمعلومات لإنتاج صناعة جيدة وصالحة للاستخدام الآدمي. يقترح حماد إنشاء تكتلات من أنشطة هذا الاقتصاد غير الرسمي ودمجهم جميعاً في منظومة متفق عليها من الجميع للمساهمة في التصدير لجلب الدولار من حصيلة التصدير. 18 مليون منشأة فيما كشف د.عبدالمنعم السيد خبير اقتصادي أن حجم الاقتصاد غير الرسمي يبلغ نحو 18 مليون منشأة منهم 40 ألف مصنع ويقدر حجم استثماراته ما يتراوح بين 65 70% من حجم الاقتصاد الرسمي وأنه تزايد بشكل ملفت عقب ثورة يناير .2011 يقول عبدالمنعم إن البنك الدولي سبق وأن أعلن في 2013 زيادة هذا النوع من النشاط وانخفاض حجم العمالة الرسمية بقطاع الصناعة نحو 5% والمقاولات 8% والخدمات 15%. كما أن أعداد العمالة غير الرسمية ارتفعت في 2012 إلي 40% ثم إلي 45% في 2013 بينما كانت في 1998 بنسبة 30%. يوضح أن سلبيات هذا الاقتصاد غير الرسمي علي المجتمع تتمثل في ضياع حوالي 300 مليار جنيه علي الدولة من إيراداتها. يشير أن علاج هذه القضية يجب أن يبدأ من عدم النظر لهذا الاقتصاد غير الرسمي من منطلق الجباية وتحسين الحصيلة الضريبية فقط. بل علي أنه المشغل الأكبر في سوق العمل حيث إن نسبة تمثل 70% من العاملين بهذا النشاط خاصة بعد ثورة يناير 2011. وأن ضمه للاقتصاد الرسمي يتطلب تيسير الإجراءات للتراخيص وخفض الرسوم. منوهاً إلي أن ضم هذا النشاط إلي الدولة يضاعف إيرادات الخزانة العامة إلي 150 مليار جنيه. يضم المتهربين يقول د.أحمد خميس كلية الاقتصاد إن الاقتصاد غير الرسمي يصل لنحو 300 مليار جنيه من اجمالي الناتج المحلي. كما إن الاقتصاد الخفي يضم المتهربين من الضرائب والرسوم الحكومية وهذه نسبة تمثل 30% وأن نسبة صناعة بير السلم تصل لنحو 70% من حجم صناعة الغذاء بمصر وأن حجم تجارة بير السلم يصل لنحو 75 مليار جنيه من حجم التجارة الداخلية البالغ 150 مليار جنيه سنوياً. ضياع المليارات..!! تضيف د.شيماء وهبة بمعهد التخطيط أن تجارة الأرصفة العمالة تصل فيها لنحو 3 ملايين بائع في مصر بحجم تجارة لا تقل عن 30 مليار جنيه لا تدفع لها ضرائب مما يضيع علي الدولة المليارات سنوياً من إيراداتها. طالب بضرورة تفعيل آليات الأجهزة الرقابية وممارسة دورها في هذا القطاع وعلي الدولة أن تجاورهم وأنها ليست عدوة لهم ولا تطاردهم بل تسعي لتحسين أوضاعهم وتوفيقها وادخالهم في المنظومة الاقتصادية حتي يتمتعوا بخدمات حكومية. اتحاد الصناعات وبعض الاقتراحات وفي دراسة لاتحاد الصناعات عن كيفية ضم الاقتصاد غير الرسمي إلي الاقتصاد الوطني كشفت عن آليات عدة أهمها يبرزها محمد البهي مسئول الملف الضرائبي باتحاد الصناعات: * إنشاء وحدات ثابتة في الأسواق لمراقبة إصدار الفواتير واعتبار أي مستند بديل بمثابة فاتورة ضريبية. * اعتبار واقعة البيع للمستهلك هي المنشأة للضريبة. * تطبيق عقوبة مالية في حالة عدم امساك دفاتر محاسبية طبقاً لنوع وطبيعة النشاط. * إنشاء سجل قومي لأي نشاط سواء كان لشخص معنوي أو اعتباري وإعطائه رقماً كودياً يحتوي علي جميع البيانات المتعلقة بالنشاط. * اعتماد جميع مصروفات الممول المؤيدة بمستندات حتي نشجعه علي طلب الفواتير دون التقيد بنسبة معينة.