* يوم 11 أغسطس الماضي كتب الأستاذ محمد أبوالحديد في عموده اليومي بجريدة المساء عرضاً وتحليلاً للموقف السياسي في اليابان وخطاب الإمبراطور "اكيميتو" إلي شعبه برغبته في الانسحاب لتقدم العمر والصحة وعدم قدرته علي القيام بأعبائه. كان عنوان المقال "أمبراطور علي المعاش" ومحتواه يدور حول شأن هذه الدولة إذا ما تغير نظامها القديم أوسقط. غير أن الأمور اختلفت كثيراً بعد عشرة أيام فقط. حين ظهرت اليابان في حفل ختام دورة الألعاب الأوليمبية في البرازيل لتقدم للعالم استعدادها للدورة القادمة التي ستقام علي أرضها. في العاصمة طوكيو. وأظن أن من لم ير الختام والجزء الياباني فيه قد فاته الكثير جداً.. فهذا الإمبراطور الذي يريد التقاعد يدرك جيداً أنه يترك وراءه دولة قوية وشعباً ماهراً وقوياً ونظاماً يسير علي قضبان من الاجتهاد والدقة سواء ذهب هو أو بقي. ففي هذا التقديم الذي أرسلته اليابان للعالم عبر الفضائيات من قلب مدينة ريو ظهرت عمدة طوكيو الجديدة تفتتح "الشو" الياباني الذي انتهي بظهور رئيس الوزراء هناك خارجاً من بالونة عملاقة حمراء ليحيي الناس ويقدم لهم ملامح مما سوف يجدونه في بلاده بعد 4 سنوات. كان العرض خلاباً من خلال تقنيات تكنولوجيا الصوت والضوء وأشعة الليزر مؤكداً علي أقصي درجات الاهتمام من جانب اليابانيين بإنجاز دورة كبيرة ومختلفة تبهر العالم.. هذا حدث مقدماً قبل 4 سنوات فما الذي سوف يضيفه اليابانيون إلي هذا الإبهار حتي أتي موعده؟ وهل هناك شك في أن "الإمبراطور" يريد أن يتقاعد بعد أن اطمأن علي حسن إدارة شئون بلاده بوجوده أو غيابه؟ إن هذا النموذج الصغير للفعل ورد الفعل يشعرنا بمدي الخطر الذي نتعرض له هنا في مصر حين يبدو سوء التفاهم بيننا واضحاً في الاتفاق علي الأولويات التي لابد أن نواجهها. وفي عدم وضوح "الرؤية" بالنسبة للكثيرين منا تجاه مواقف ومشروعات كبيرة لا يوجد تقديم جيد لها لدي الرأي العام. ولا إعداد جيد لها من خلال كل القنوات العامة والخاصة. وعلي سبيل المثال وليس الحصر فقد تتالت علينا أحداث أثارت الكثير من القلق والجدل بدون أي تفاعل من الدولة أو أجهزة الإعلام لتقديم بيانات وافية عنها أو تحقيقات موسعة تصل بملايين المشاهدين إلي تبني موقف واضح وإيجابي مما يحدث حوله. أولاً: موقف الفريق المصري الذي ذهب ليمثلنا في الدورة الأوليمبية بمدينة ريو. وكيفية اختياره. ولماذا تفوق من تفوقوا منه. ثم لماذا لم نر تحقيقات مهمة عن نجومنا هناك سارة سمير وإيهاب شلبي وهداية ملك وأيضاً الذين حققوا مراكز أقل. والفرق. وهل غاب عن المسئولين عن القنوات الرياضية في مصر هذا الاستعداد المبدئي بإعداد حوارات وتحقيقات عن الأبطال قبل الدولة. ولمجرد أنهم أبطال؟ وهل لو كانوا لاعبي كرة قدم أو ممثلين في الأفلام والمسلسلات كانوا سيقفون منهم نفس الموقف؟ ثم.. لماذا تناثرت التغطيات الخاصة بالدولة بين "نايل سبورت" و"الأولي" التي رأيت فيها عرضاً لمسابقة الباليه المائي؟ ولماذا لم يعلن التليفزيون المصري عن حوار مستمر وممتد حول قضايا الرياضة المصرية يضم كل أصحاب الآراء في إطار أهمية القضية وامتدادها المستقبلي؟ ثانياً: تلك الواقعة المؤسفة التي حدثت في قرية أسمها "ترسا" أستطاع أعداء الوطن فيها تأليب أهل القرية علي أنفسهم فرفضوا اطلاق اسم "فاتن حمامة" علي مدرسة القرية.. لا أعرف ماذا تعني كلمة "ترسا" ولكنني أعرف جيداً أنا وغيري ماذا فعلت فاتن حمامة لتغير صورة المرأة المصرية وتقدم لها الدعم والمساندة من خلال العديد من الأدوار المهمة في أفلام دخلت تاريخ السينما في العالم مثل "الحرام" و"أريد حلاً" و"الباب المفتوح" و"يوم مر يوم حلو" و"ضمير أبلة حكمت" وغيرها. إضافة لكونها استمرت طوال حياتها نموذجاً مشرفاً لامرأة شهيرة لا تتاجر بشهرتها وتحترم مهنتها وتقدم أفضل تعبير عن جهد وإخلاص المرأة المصرية.. "فاتن" التي حول الناس العاديون جنازتها الغريبة إلي حفل ووداع شعبي لكونها نجمة في قلوبهم كيف يصل الأمر ببعض الناس إلي رفضها. وفي زمن عامان فقط. وكيف بعد ثورتين عاشتهما مصر يستمر المتطرفون في اللعب بعقول البعض منا علي هذا النحو البغيض؟.. وقد كان هذا الحدث جديراً ببحث ومواجهة إعلامية موسعة ولكن هذا لم يحدث. وربما يبحث المتطرفون الآن عن رموز أخري من رموز الوطن للاساءة إليها إذا ما فكر أحد في الدولة في تكريمها.. فهل نصمت ونترك كل الأمور تسير كما يراد لها حتي تتحول معاركنا من معارك لأجل وحدة الوطن وقوته إلي معارك صغيرة تتركنا جميعاً في أسوأ أحوالنا.. وهل يستمر هذا المنهج حتي تصبح مصر بلد الشائعات وليس الحقائق الواضحة المعلنة؟ هناك بالطبع نماذج أخري غير هذين النموذجين اللذان يخصان حدثاً عاماً كبيراً وحدثاً يخص قرية. لكن معناه كبير. هناك بالطبع "أزمة الدولار" التي أصبحت كابوساً. وقضايا أخري. وربما يبذل الكثيرون جهداً كبيراً لتوضيح ما يحدث للرأي العام. ولكننا نفتقد الآن بشدة جهة إعلامية مسئولة لديها الصلاحية للإعلان عن الحقائق والقدرة علي صياغة هذا الإعلان في صورة مقنعة وصياغة أمينة وعدم إغفال كل الحقائق. وقد كان التليفزيون المصري يقوم بهذا الدور في فترات متعددة وهو الآن في مرحلة "إعادة صياغة" له كجهاز إعلامي قادر علي التعبير عن صوت الدولة وفكرها وأيضاً إنجازاتها. ودور الحكومة في تنفيذ المشروعات. ولابد هنا من التفريق بين كونه "صوت الدولة" وبين احتفاظه بدور آخر مهم هو الدفاع عن الشعب وعن استحقاقاته أمام المسئولين والتذكير المستمر لهم بما تم الإعلان عنه والسير فيه وضخ المزيد من وسائل الاقناع للمشاهدين بجدية الدولة في العمل لتحسين ظروف الحياة فالتليفزيون العام ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها بأي تليفزيون آخر مملوك لأي مواطن بدرجة رجل أعمال. مهما كان حبه لمصر! التليفزيون لا يحضر هنا * بساحة القلعة الساحرة. أقيم مهرجان الطبول التراثي بحضور وزيري الثقافة والسياحة وحضور جماهيري كبير. هكذا جاءت الأخبار مؤكدة علي الاحتفال الذي قادته الأوبرا المصري وعدد كبير من فرق الفن الشعبي والتراثي المصري. لكن هذا لم يغر أي قناة خاصة أو عامة بتقديمه إلينا في البيوت فعلي ما يبدو فإن الفنون المصرية لم تعد ضمن دائرة اهتمامات المسئولين عن القنوات الذين يفضلون استقدام فنان - غالباً ممثل أو مغني - إلي الاستديو. والحديث معه عن فنه. وهذا في حد ذاته عمل جيد. خاصة بالنسبة لشخصيات مؤثرة وقليلة الظهور. لكن استعادة الثقة في الفن بكل روافده وخدمة ملايين المشاهدين لا تأتي إلا حين يدرك الناس أنهم يستطيعون معرفة ما يدور في بلدهم من أحداث جميلة ومؤثرة تدفعهم لاستعادة التوازن المفقود بين الأحداث اليومية المزعجة والمؤلمة وبين أحداث الثقافة والفن والرياضة وكل الإبداعات.. هل ينتظر المسئولون عن القنوات التليفزيونية قناة عربية أخري تتقدم لتقديم الفن المصري علي شاشاتها؟ وماذا تعني المسئولية الوطنية للإعلام؟ ندوة مهمة - بدون إفصاح * رسالة وصلتني من المكتب الإعلامي لاتحاد المنتجين العرب تقول إن الجامعة العربية ووزارة الإعلام السودانية وجهتا دعوة لرئيس اتحاد المنتجين العرب الأستاذ إبراهيم أبوذكري للمشاركة في ورشة عمل حول "الخطاب الديني ودوره في التصدي لظاهرة الإرهاب" وما يهم هنا أن الندوة عقدت الأسبوع الماضي في الخرطوم. لكن لم يعلن المشاركون فيها والداعون إليها - خاصة الجامعة العربية ومجلس وزراء الإعلام العرب. عن توصياتهم واتجاهات الحلول لديهم - هل السبب هو عدم وجود وزير للإعلام في مصر الآن؟ أم أن مصر أصبحت خارج الموضوع لهذا السبب تحديداً؟ أم أنها ندوة سرية لا يصح الحديث عن توصياتها؟