في مستهل حكمه اثار الرئيس السيسي - ولا يزال - المشاعر الطيبة في نفوس وقلوب المصريين.. خاصة البسطاء منهم الذين يتميزون بالصدق والأصالة. من أبرز ما قاله الرئيس أنهم "نور عينيه". وان هذا الشعب علي مدي تاريخه "لم يجد من يحنو عليه أو يرفق به".. وأتصور ان هذه مشاعر صادقة كثيراً ما يترجمها الرئيس في جهد هائل يبذله علي مدار النهار والليل وأنه من فرط وطنيته واخلاصه وما تشربه من قيم في المدرسة العسكرية التي تعلم بها في سن مبكرة ومن واقع نشأته في حي شعبي عريق. يكاد يريد ان يطال السماء بيديه أملاً بأن يرتقي هذا البلد.. وهذا الشعب.. لينال ما يستحقه من خير وتقدم وازدهار بين الأمم والشعوب. ولكن.. ليس كل ما هو يتمناه المرء يدركه.. فللأسف ليس كثيراً من بين المسئولين. ولا من هذا الشعب من هم علي نفس شاكلة الرئيس وعلي قدر الأمانة والمسئولية ولا نقول المستوي من الرقي الانساني والانتماء الوطني.. والدليل علي ذلك شواهد كثيرة جرت خلال العامين الأخيرين خذلت الكثيرين منا. فعندما طلب الرئيس تفعيل قانون الحد الأقصي للأجور علي العاملين في قطاعات الدولة ومؤسساتها - علي الأقل التي تخضع للحكومة أو لسلطة الدولة.. وبادر الرئيس شخصياً بالاكتفاء بنصف هذا الدخل بل وزاد عليه التبرع بنصف ما ورثه عن والده وذهب بنفسه إلي البنك لكي يودعه في حساب صندوق تحيا مصر. لكي يكون القدوة للجميع. كان وكنا نتوقع ان يبادر الكثيرون من رجالات الدولة والاثرياء بأن يخدوا حذوه.. ولكن للأسف فوجئنا باستقالة 65 قيادة من قيادات البنوك الكبري لكي يعملوا في بنوك أخري خاصة وأجنبية لا تطبق فيها الحد الأعلي للأجور.. وبدأت قطاعات أخري من أجهزة الدولة ترفض تطبيق هذا الحد الأقصي عليها ووصل الأمر إلي حد رفع القضايا لكي لا تطبق عليهم هذه اللوائح والقوانين التي قد تسري فقط علي العاملين في الحكومة..!! نفس الحال ينطبق علي السادة الكبار رجال الأعمال الذين تضخمت ثرواتهم علي حساب الشعب في ظل النظام السابق وامتلأت خزائنهم في الداخل والخارج بمئات الملايين - بل ربما المليارات - لم يسارعوا لكي يساندوا الدولة والشعب في هذا المأزق الاقتصادي الحرج لانقاذ البلاد من عثرتها ولا يجبرونها علي ان تمد يدها للأشقاء والأصدقاء. ثم صندوق النقد الدولي الذي اضطررنا إليه اضطراراً مؤخراً.. وكان المتوقع ان تصل حصيلة هذا الصندوق إلي أكثر من مائة مليار جنيه - ولا نقول دولار - ولكن للأسف لم تزد الحصيلة عن أربعة مليارات جنيه. أظن ان أغلبها ذهب لعلاج فيروس سي أو تشييد الوحدات السكنية لبعض سكان المناطق الخطرة والعشوائيات. *** الأمر مخجل.. بل مؤسف لأن هذا الموقف السلبي من العطاء للوطن والذي يصل إلي حد النذالة في هذه الظروف الصعبة.. ينسحب أيضاً علي معظم المواطنين الذين بوسعهم ان يعطوا للوطن - علي الأقل - من الجهد في العمل والخبرة ان لم يكونوا يمتلكون المال الذي يمكن ان يتبرعوا به.. ولكنهم يضنون العطاء بهذا الجهد الذي يتقاضون عنه أجراً حتي ولو كان قليلاً ولا يكفي احتياجاتهم.. ولكن في النهاية الخاسر هم أنفسهم قبل الوطن.. لأن المجتمع لا يتقدم ولا ينمو إلا بعطاء كل أبنائه وبإنكارهم لذاتهم.. ولأن الله في النهاية هو الرزاق وهو الذي ينظر الأعمال. فعلي سبيل المثال لا أتصور تلك المعاملة السيئة التي يلقاها المرضي سواء في المستشفيات العامة أو الخاصة.. فإذا كانت الأخيرة لا يقدر حتي الأغنياء الآن علي التعامل معها في ظل الأرقام الفلكية في الأسعار حيث أخبرني صديق أنه اضطر ان يدفع تكاليف إقامة في غرفة عناية مركزة 12 ألف جنيه في ليلة واحدة.. وعندما ذهب بأمه المريضة وهي تتمتع بعلاج التأمين الصحي فإنه طاف المستشفيات دون ان يجد غرفة لها.. ولكن أشد ما آلمه هو المعاملة الغليظة من الأطباء الصغار والممرضات في التعامل مع تلك الحالة في هذه الظروف الانسانية الصعبة. وأنا بدوري أتساءل: لماذا يعامل المصريون بعضهم البعض هذه المعاملة السيئة سواء في الاستغلال الزائد والمغالاة في الأسعار أو في سوء المعاملة وفي الإهمال واللامبالاة والفوضي والتسيب في كل ما هو حكومي.. وحتي بمجرد غياب المسئول الكبير أو بعد زيارة الوزير يعود كل شيء إلي أصله في القصور وندرة العطاء. وبصراحة لا أدهش من موقف مثل هؤلاء البشر سواء في المستشفيات العامة الذين لا يتعاطفون مع أقرانهم المصريين من المواطنين محدودي الدخل أو متوسطي الحال.. لأنهم مثلهم مثل المدرسين الذين دمروا دور المدرسة والتعليم في مصر لان الغالبية منهم تدخر الجهد لمراكز الدروس الخصوصية.. ومثلهم مثل التجار في الأسواق حتي الصغار منهم يملأ قلوبهم الجشع والطمع ويتسببون في حالة الارتفاع الرهيب في الأسعار الذي تشهده هذه الأيام. وهو نفس حال الموظف الحكومي الذي يتعامل مع الجماهير يعاملهم أسوأ معاملة ويبتزهم بالرشاوي.. أو الحرفي الذي يغالي في أجوره في الإصلاح والصيانة حتي ولو كان غير ماهر في صنعته.. ومثلها مثل كثيرين من أفراد المجتمع الذين خربت نفوسهم وضمائرهم وأصبحوا غير قادرين علي العطاء.. لأنه ببساطة فاقد الشيء لا يعطيه..!! *** هذه ببساطة آفة مجتمعنا.. لم يعد أحد يحنو علي أحد أو يرفق به.. إذن ماذا ننتظر بعد ذلك من خير في مجتمعنا.. حقاً.. إن اصلاح ضمائرنا هو بداية التغيير في مجتمعنا.. وإن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم..!!