لاتزال مصر واقتصادها العام يعاني أزمة حادة منذ عدة سنوات أهمها نقص الموارد من الدولار. وخفض قيمة الجنيه الشرائية مقابل الدولار. وكذلك التضخم الذي يسري في بلادنا كالنار في الهشيم حيث يواصل معدله ارتفاعا بلغ 14.8% وذلك إثر ارتفاع سعر الدولار وهو ما يلقي بظلاله السيئة علي معيشة المصريين محدودي الدخل والطبقة المتوسطة التي تسجل انهيارا متواليا عبر السنوات الماضية. نقص الدولار يعكس مدي السلبيات التي يجنيها الاقتصاد المصري تصديرا واستيرادا واستهلاكا. وما ينتج عنه انفلات التضخم والنقص في أغلب السلع الأساسية إلي جانب عجز متواصل في الموازنة. المشهد العام يعكس في خلفيته إلي شبح يحدد قوة الجنيه لاسيما وأن طارق عامر محافظ المركزي صرح بانتهاج سياسة نقدية مرنة بدلا من سياسة تآكل الاحتياطي النقدي للبلاد.. وبقراءة المشهد نجد عدة مؤشرات من الضروري التعامل معها بحكمة وروية إذ بلغ العجز في الحساب الجاري نحو 14.5 مليار دولار خلال الأشهر ال 9 الأولي من العام المالي 2015 - 2016 مقابل عجز يدور حول 8.3 مليار دولار خلال ال 9 أشهر من العام المالي الأسبق. كذلك قفز معدل العجز في ميزان المدفوعات من مليار إلي 3.6 مليار دولار خلال الفترة نفسها. فيما تراجع إجمالي تحويلات المصريين في الخارج من 14.3 إلي 12.4 مليار دولار وتراجع صافي التحويلات الرسمية من 2.6 مليار إلي 61 مليون دولار فقط. وبتفحص المشهد نلحظ رؤية تجرنا إلي حلقة جديدة من سياسة خفض الجنيه أو تعويمه وهو ما يجعلنا نتوقع هجمة شرسة من موجات تضخمية كاسحة خاصة وأن مؤشر التضخم سجل نهاية يونيو الماضي 14.8% وهو ما يؤثر مباشرة في حركة الواردات والتصنيع وجذب الاستثمارات الأجنبية وعجز الموازنة ومعدلات الدين الخارجي. وفي التفاصيل يلزمنا ذكر الأرقام في هذا السياق حيث بلغ حجم الاحتياطي النقدي 2016 نحو 17.5 مليار دولار. وحجم الدين الخارجي في يونيو 2016 نحو 53 مليار دولار و7% زيادة في المبيعات العقارية بسبب الدولار والسعر غير الرسمي للدولار 11.35 جنيه. كل شيء ارتفع مقابل الإنسان وقيمته في انخفاض متوال.. وهذا ما أكده تقرير الجهازي المركزي للتعبئة والإحصاء بشأن التضخم ومسلسل الأسعار الجنوني الذي يشهد قفزات غير محسوبة بسبب مضاربات التجار وجشعهم وغياب الرادع الحقيقي لرقابة الدولة مع أن الدولة تدخلها واجب وحتمي في الأزمات لتحجيم الاستهلاك وضبط الأسواق ومواجهة التآكل في قيمة العملة المحلية. حكومتنا الرشيدة التي نالت إعجاب البرلمان الرشيد مرتبكة ولم تقدم شيئا منذ تشكيلها لمواجهة هذا التضخم وتحجيمه وضبط الأسواق ومواجهة تلاعب التجار وجشعهم. بل أحيانا تكون أكثر حنانا عليهم من فقراء مصر. فلا إجراءات كافية اتخذت لمواجهة نقص الدولار أو ترشيد الاستيراد أو ضبط السوق بأسعار اقتصادية حقيقية لا بأسعار مستفزة ترتفع في اليوم والليلة أكثر من مرة.