لعل من أهم ايجابيات الشهور الأخيرة والتي أصبحت نادرة للأسف هو تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي للمهندس إبراهيم محلب مساعد الرئيس للمشروعات القومية بالتصدي لمهمة استرداد أراضي الدولة وتحصيل حقها من المخالفين وبالتالي مواجهة مافيا الفساد التي توحشت وتجرأت عبر سنوات طويلة بعد تواطئها مع المنحرفين أيام نظام مبارك الفاسد وربما أيضا مع المنتفعين بهذا الفساد حتي الآن بما يؤكد صعوبة هذه المهمة.. ولكن مما يدعو للتفاؤل طبيعة شخصية المهندس محلب مع بقية أعضاء لجنة الاسترداد واصراره علي النجاح في استعادة مليارات الجنيهات الضائعة علي الدولة. وربما شجع ذلك الرئيس السيسي علي تكليف محلب بمهمة اضافية وهي حصر أملاك هيئة الأوقاف واسترداد أراضيها وتعظيم استفادة الدولة منها وهو ملف أيضا شديد التعقيد ويحمل الكثير من أبواب الفساد والاهمال وإهدار المال العام.. وهو ما لم يقم وزير الأوقاف بمواجهته والذي يشغل نفسه ويشغلنا بتقليعة خطبة الجمعة الموحدة المكتوبة التي لا تحتاج داعية مجتهدا أو مجددا بل يمكن أن يقرأها حتي أي شخص يفك الخط مما يحول أئمة المساجد إلي نسخ كربونية.. وذلك بدلا من تحديد الضوابط واقتراح موضوعات الخطبة ومتابعة التزام الأئمة بها. وتؤكد عودة محلب إلي العمل العام بقوة. الحكمة من تكليفه بمهام محددة استثمارا لقدراته الهائلة في مثل هذه المجالات وذلك بدلا من أن تضيع هذه القدرات وسط زحام عشرات المشاكل والأزمات والأحداث اليومية المتلاحقة حين كان رئيسا للوزراء وهو ما يعيد للأذهان احدي مشاكل حكومتي محلب وهي غياب أجندة محددة لمتابعة تنفيذ قرارات مجلس الوزراء بما يساعد علي إنجاز ملفات محددة. بدلا من فتح ملف معين ثم يتوه في الزحام مما يبدد الجهود ولا يحقق إنجازا ملموسا ينهي معاناة المواطنين وينقذ الاقتصاد المصري من أزماته! وللأسف فإن هذا العيب هو ما تعاني منه حكومة المهندس شريف إسماعيل حيث تغيب هذه الأجندة أو الذاكرة التي يجب أن تكون من مهام أجهزة محددة داخل مجلس الوزراء لمتابعة القرارات والمشروعات ومحاسبة كل وزير علي أدائه حتي لا تكون بعض القرارات للاستهلاك المحلي يفرح بها الناس ويتفاءلون بها خيرا ثم لا يجدون في أيديهم سوي السراب أو علي الأقل يتم التنفيذ بسرعة السلحفاة. بينما الحياة تتحرك بسرعة الصاروخ ولا تنتظر أحدًا "ممن علي قلوبهم مراوح"! ويكمل هذا العيب أيضا مشكلة انفصال الحكومة في أغلب الأحوال عما تموج به أجهزة الإعلام من أفكار ورؤي علمية للخروج من أزماتنا مع استعراض لتجارب الدول الأخري التي نجحت في تجاوز الكوارث التي نعاني منها وتهدد مستقبل أولادنا أيضا. ما أكثر الأمثلة علي الملفات المفتوحة والمنسية وتجاهل الأفكار المطروحة من الخبراء ومنها ملف الصناعة خاصة أنها سر معجرات النمور الآسيوية وغيرها وهو ما أخذت به المغرب مؤخرا من خلال جذب الشركات العالمية خاصة في صناعة السيارات وغيرها لتقوم هي بالتصدير لنا وبالدولار طبعا! صحيح أن هناك بعض الخطوات الأولية حاليا للنهوض بالصناعات المصرية وإعادة هيكلة اقتصادنا الهش الذي تهزه أي أزمة محلية أو عالمية ولكن هذه الخطوات تأخرت طويلا ومازلنا منذ مؤتمر شرم الشيخ نتحدث دون تنفيذ غالبًا عن حوافز الاستثمار وتحسين مناخه وأحلام الشباك الواحد وعن اتفاقات مبدئية مع الصين وغيرها وعن انشاء جهاز أو منظومة لإدارة مبادرة الرئيس بتوفير مليارات من البنوك لاقراض الشباب في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة حتي لا يفشلوا كما حدث لغيرهم.. ولكن بالطبع مع كل هذا البطء وغياب الحسم فان النوايا والخطط العظيمة علي الورق لا تصنع أقتصادا قويا. ومن الملفات التي ننساها كذلك في الزحام ملف السكان الذي اكتفينا باسناده إلي وزارة الصحة المتخمة بكوارث وأزمات لا تحصي مع أداء وزير لا يدعو للتفاؤل بينما الانفجار السكاني الذي يضيف لمصر 6.2 مليون بني آدم كل عام يهدد بالتهام ثمار كل المشروعات القومية الحالية والتي نقترض المليارات لتنفيذها. أيضا نجد تناقضا غريبا بين حشد كل الامكانيات لتحقيق معجزة توفير الكهرباء للمواطنين والمصانع وبين ترك ملايين الناس يتعذبون من عدم وجود مياه الشرب النقية!!... وهل يتذكر أحد اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء لتقنين وضع شركتي "أوبروكريم" وغيرهما لتحصيل حق الدولة أسوة بسائقي التاكسي الأبيض ولكنها لم تفعل شيئا.. وهل أباطرة الاستيراد أقوي من الدولة التي لم تستكمل الخطوات الأولية لترشيد الواردات غير الضرورية وانقاذ الجنيه المصري من أزمة الدولار؟! ما أكثر النماذج التي تكشف أزمة حكوماتنا المتعاقبة وتثير التساؤل حول قدرات قياداتها.. وهل يمكن أن تنجح في مهام محددة أو قطاعات أقل تشعبا "شركة أو وزارة أو لجنة مثلا" بينما يتوه منها الطريق وتضيع من يديها المفاتيح الأساسية في مواجهة مسئوليات حكومة بكل وزاراتها.. وبالتالي إذا كان الحديث يتكرر هذه الأيام عن الاتجاه لتعديل وزاري لابد أن نحدد هل المشكلة في الأفراد أم في السياسات وآليات العمل وتحديد مهام ومسئوليات كل قيادة علي كل المستويات مما يمكن أن يظلم أي وزير أو رئيس وزراء مهما كان جهده واخلاصه وقدراته خاصة حين يتوه المسئول الأعلي في التفاصيل ويضطر للقيام بمهام المسئولين الأصغر الذين لا يحاسبهم أحد. فلا يجد بالتالي وقتا أو جهدا للتفرغ للقضايا الأهم التي تم اختياره أساسا من أجلها؟! لفساد القمح .. وجوه كثيرة ! كان قرار النائب العام باحالة عدد من المتورطين في قضية فساد القمح إلي المحاكمة سواء كانوا من أصحاب الصوامع أو من اللجان المشرفة علي تسلم المحصول. دوره في حسم الجدل العقيم بين أجهزة وزارة التموين وغرفة صناعة الحبوب واللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق. وإذا كان القرار يتعلق بوجود توريد وهمي للقمح علي الورق فقط وتسلم ثمنه بالطبع بينما لا يوجد بالصوامع أو الشون إلا كمية أقل وبعجز وصل - كما أكدت اللجنة البرلمانية إلي حوالي 50%.. إذا كان الأمر كذلك فأتمني أن تمتد تحقيقات النيابة إلي ما أثاره رئيس وبعض أعضاء اللجنة من أوجه أخري للفساد. النائب جلال عوارة مثلا قال ل"المصري اليوم - 13 يوليو": ان الصوامع الحكومية لا يتم استغلالها لصالح الصوامع الخاصة فأغلبها مغلق لأسباب غير معروفة واحدي الصوامع الحكومية تتسع ل30 ألف طن قمح ولم نجد بها سوي 3 الاف فقط بينما تم التعاقد مع صوامع خاصة ملاصقة لها! ولم يقل النائب ان هناك كارثة أخري بجانب هذا التواطؤ وهي اهدار كمية كبيرة من القمح نتيجة تخزينها في الشون الترابية وفي العراء! أما النائب مجدي ملك رئيس اللجنة فقد كشف في حوار آخر "15 يوليو" أن كوارث توريد القمح أو خلطه بالمستورد. مستمرة منذ 5 سنوات دون أن يحاسب أحد. ورد النائب علي ما تقوله غرفة صناعة الحبوب عن عدم دقة قياسات اللجنة بأن بعض أعضاء الغرفة متورطون في فساد القمح وأن نائب رئيسها مثلا وصلت نسبة العجز في احدي الصوامع التي يملكها إلي 50%!!