هل كانت الثورة حلماً.. ظننا معه أن أشياء ستتغير.. ثم فوجئنا بالنتيجة وكأنها كتلك المعلقة علي جدار مدرسة فاشلة تؤكد: لم ينجح أحد. وحين يسقط الطلبة بأكملهم فقد سقط المدرسون.. والناظر. بشكل شخصي حلمت أحلاماً بقدر حياتي بسيطة.. عبرت فوق أن يعمل كل الشباب.. وأن ترتاح كل البيوت.. وتحل مشاكل الأحوال الشخصية. وتحصل الزوجة علي الطلاق من زوج لم يصنها. وتصل لحقها في نفقة لا يتلاعب فيها الرجل بمصادر دخله ويقطع هدومه ويشهر إفلاسه حتي يحرم أولاده من لقمة عيش ومصروف يوم.. والاسم أب. كان.. حلماً أمور كثيرة محوتها من ذهني لأني ظننتها ستحدث دون شك.. وكان حلمي أقل تواضعاً.. تصورت أننا سنشطب علي جملة " أفلام العيد" ولن نشهد تلك المهازل في مجرد إعلان يحمل عدداً من اللقطات المثيرة للقرف. وفي كل سنة يبتكرون أو يصنعون قرفاً أكبر ببطل أو بطلة "مقرفة".. أكثر. ربما كانت فكرة ساذجة أن أتصور أننا لن نجد جمهوراً أمام شباك هذه الأفلام. فيطرد الهابط نفسه بنفسه. لكن الحقيقة أن التدني يزيد والإقبال عليه يتزايد. فكلما روجنا له.. ازداد رواجاً. هل يصدق أحدكم العنف الذي شهده شهر رمضان.. المفترض فيه قمة التسامي والتسامح "فإن كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم".. لقد لعبنا بالتوجه الديني وحولناه إلي قتل وحرق. ومنذ أيام قليلة اختلف سائق ميكروباص مع راكب علماً بأن أجرته - إن ركب هذه السيارة أو الثانية - هي ربع جنيه. إلا أن أحدهما لم يتنازل.. وبعد أن كاد ينشق الراكب إلي نصفين بين السائقين. حمل أحدهما البنزين والقاه علي الآخر وأشعل فيه النار. اللهم اجعله خير حتي إعلانات الخير ليس فيها أي خير.. يسخرون أطفالاً وكباراً يعتبرهم المستشفي الذي يعالجهم بالمجان ضمن ممتلكاته.. فيحفظونهم كلمات ويصورونهم حالقي الرءوس.. للاستجداء. وعلي الجميع أن يشهد ويعيش البؤس لأن الشاشة كلها مرض.. وبالطبع كل له قريب أو عزيز وغالي أصابه المرض ليزيد عليه كم الكآبة.. إنها ليست قسوة قلب منا.. ولكن التكرار في علم النفس يصل بالمتلقي للبلادة. وليس التكرار وحده. وإنما التمادي في زكاة الفطر.. يطلبون منا أن ندفعها لهم بقيمة مكالمة تليفون. أليس لكل منا معارف من الفقراء.. بائع في شارعهم.. شغالة تنفق علي أولادها.. قريب فقير.. لو تكفل كل منا بناسه لوصلنا للاكتفاء. ولنترك هذا الشعب الغلبان في حاله.. فهو لا يجد ثمن سفرية للخارج ولا الداخل.. ولا يري البحر إلا في إعلانات التليفزيون.. ولا يجد إلا الشاشة الصغيرة يجمع أولاده حولها.. فيهاجمونه بإعلانات استجداء وهم وغم.. أو إعلانات فلل وقصور.. والحسبة الصحيحة.. أن توجه المستشفيات دعايتها مباشرة إلي رجال الأعمال ملاك مشاريع القصور بخطابات ولقاءات لا تمر بالمصري البسيط.. الذي يجد لقمته بالكاد وكل أمله أن يأكلها وسط أولاده.. دون منغصات إضافية. وكمان.. أهلي أحد المستشفيات استعان بالأهلي.. فريق الكرة الذي عمل من إعلانهم إعلاناً له.. فهو يتبرع ويحصل الثمن فوراً.. وهذه هي الكلمات المصاحبة لتبرعه المفترض ألا تعلم فيه يمينه ما تنفق شماله.. لكن مصر كلها عرفت أنه حسب الاغنية المصاحبة لمنح المال.. "الأهلي بطولة ورا بطولة".."ألعب يالا واكسب في الكورة احنا الأسياد". إنها ليست أخلاق.. أسياد.. ولا رياضة ولا أي خير.