ارتبط شهر رمضان فى الأحياء الشعبية بشخصية المسحراتي، وكما هو معروف كان يسير فى الحوارى والشوارع الضيقة يطرق بالنبوت على الأبواب يوقظ الناس قبل موعد السحور ما بين الساعة الواحدة والثانية صباحا،.. طيب: ماذا كان يعمل بقية العام عندما ينتهى شهر رمضان؟.. هناك شهرا أخرى فى السنة.. كيف يكسب قوت يومه لنفسه ولآولاده؟ أتاحت لى نشأتى فى القاهرة القديمة أن أشاهد بعينى وأتعرف على شخصية عم محفوظ المسحراتي، كان إنسانا نبيلا لو نظرت إلى وجهه تجد علامات الثقة والاعتزاز بالنفس وكأنه أحد الأثرياء الذين لا يحتاجون من الدنيا شيئا، وهذه الصفات التى تبدو على ملامحه هى على النقيض تماما من حياته البائسة، فقد كان نموذجا للمواطن الفقير لأنه فى الواقع بلا مهنة، ولا أحد يعيش من مهنة تستمر يوما ويبقى عاطلا باقى شهور السنة، وحتى يتغلب عم محفوظ على ذلك كان يبيع أنواعا من الفواكه الموسمية لأيام معدودات بعدها يتجه لبيع نوع آخر، فهو يمتلك عربة خشبية يجرها بنفسه يقف بها فى المغربلين أو عند بوابة المتولى يضع عليها البلح الأمهات (فى موسمه) بعد ذلك نجده يبيع المشمش فى موسمه أيضا، كذلك يبيع الجميز والنبق والتين الشوكى والخيار والدوم وأحيانا العنب أو البطيخ وهكذا "موسم وراء موسم" حتى يأتى رمضان القادم. وكان يرتدى جلابية كستور خفيفة مقلمة فى الصيف ويرتدى فوقها بالطو فى الشتاء بالإضافة لطاقية من نفس قماش الجلابية، وعدة شغل المسحراتى كانت عبارة عن نبوت طويل وفانوس ضخم له باب بداخله لمبة جاز كبيرة، وحتى الآن لا يستطيع الإنسان أن يمنع نفسه من التفكير فى حياة عم محفوظ، كيف كان هذا الرجل يتحايل على الحياة، كان يعيش بغريزة حب البقاء فقط.. إرادة الحياة عند هذا الرجل من إرادة الله سبحانه وتعالي، لذلك كانت إرادة من حديد، من المستحيل أن يهزمه الفقر أو المرض أو الكسل، هؤلاء الذين غنى لهم فنان الشعب سيد درويش: "طلع الصباح.. فتاح يا عليم.. والجيب ما فيهش ولا مليم.. ياللى معاك المال برضه الفقير له رب كريم" وهو نفسه أيضا الذى كتب له فؤاد حداد أشعار المسحراتي: "ناس كانوا قبلى قالوا فى الأمثال.. الرجل تدب مطرح ما تحب.. وأنا صنعتى مسحراتى فى البلد جوال.. حبيت ولفيت كما العاشق ليالى طوال.. وكل شبر وحتة من بلدي.. حتة من كبدي.. حتة من موال".