وبريطانيا كذلك.. الحال من بعضه والسبب عدم قبول الآخر أي حب الذات أو الأنانية وظهور اليمين المتطرف والرأسمالية المتوحشة التي تطحن وتسحق الكثيرين. هناك مثل انجليزي يقول: "المصائب لا تأتي فرادي" وهذا صحيح علي المستوي الإنساني بشكل عام وعلي أوروبا وبريطانيا في وضعهما الحالي. فالأذي لا يأتي منفرداً البتة وقديماً قال الشاعر والكاتب الانجليزي العظيم شكسبير في رائعته هاملت: "البلايا لا تأتي كالجواسيس فرادي. بل تأتي كتائب كتائب". هذا المثل ينطبق الآن علي بريطانيا العظمي بعد التصويت مؤخراً لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. بريطانيا كانت فيما مضي امبراطورية عظمي لا تغيب عنها الشمس كانت أكبر امبراطورية في تاريخ العالم. في عام 1913 بسطت الامبراطورية البريطانية سلطتها علي 37 مليون كيلو متر مربع أي حوالي ربع مناطق الأرض. الآن تتألف بريطانيا من أربعة أقاليم فقط انجلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية وهذه سنة الله في الأرض لكن بريطانيا مازالت دولة كبري تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن وهي خامس اقتصاد علي مستوي العالم. بريطانيا التي أذاقت العرب مرارة الحروب والتقسيم من خلال وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو وحروبها من أجل نفط العرب وثرواتهم يبدو انها ستذوق اليوم بعض ما أذاقته لنا وللعالم والله غالب علي أمره ففور إعلان نتائج الاستفتاء خرجت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجون لتعلن ان إجراء استفتاء ثان للانفصال عن بريطانيا أمر وارد جداً وان اسكتلندا تفضل أوروبا عن انجلترا وكان الاسكتلنديون قد صوتوا بنسبة 62 في المائة لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبي. لم تكن اسكتلندا هي الوحيدة التي أعربت عن رغبتها في الانفصال عن بريطانيا بل إن ايرلندا الشمالية أبدت هي الأخري رغبتها في الانفصال. الأغرب من ذلك ان البريطانيين بعد الاستفتاء بدوا وكأنهم شعب أحمق أو أصابتهم حماقة وقديماً قال الإمام علي: "ليس من أحد إلا وفيه حماقة بها يعيش" لكن بعض الحمق أهون من بعض ومن علامات الحماقة سرعة الجواب فبعد إعلان النتيجة ندم بعض الذين صوتوا لصالح الانفصال وقام الملايين بالتوقيع علي مذكرة قدموها للبرلمان تطالب بإعادة الاستفتاء وقادة معسكر الانسحاب بدأوا يتنصلون من وعودهم للناخبين. لقد تفككت الشيوعية متمثلة في الاتحاد السوفيتي والدور الآن علي الرأسمالية المتوحشة الاستهلاكية فالتطرف في الرأسمالية سيجعلها تتآكل من الداخل ويؤدي إلي انهيارها والرأسمالية علمت الشعوب والأفراد الأنانية وجعلت كل شخص يتمحور حول ذاته.. كل واحد يرفع شعار: "أنا ومن بعدي الطوفان". ان بريطانيا اليوم مجتمع منقسم حائر فالشباب يتهمون الشيوخ بأنهم يقررون مصيرهم والمهاجرون من الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية يتباغضون ويتحاسدون واليمين في واد واليسار في واد آخر وفي القرن الماضي تحاربت أوروبا وتقاتلت بعنف وطالما استمر الغرب في تفجير الشرق الأوسط فسوف تستمر الهجرة التي ستغير وجه أوروبا.