ينظر الكثير من الصحفيين والإعلاميين لحظة ميلاد القانون الموحد للإعلام بدعوي انه سيحل الأزمات المستعصية التي يعاني منها منذ سنوات. ويقيني انه سيجيء ناقصاً لخلوه من باب يحتوي علي إنشاء هيئة لتنظيم الإعلانات في مصر. بعد أن تحولت إلي فوضي ظهرت عورتها خلال شهر رمضان الجاري من خلال التنافس غير الشريف بين الفضائيات الخاصة للسيطرة علي سوق الإعلانات. فقد استجابت الحكومة لضغوط نقابة الصحفيين وغيرها من أصحاب القنوات وشركات الإعلان لتمرير القانون الذي أعدته النقابة. دون أن تعيد النظر اليه وتعيد صياغته بما يحقق مصالح الدولة أولاً. لا مصالح الإعلام الخاص الذي سيحصل علي قانون رسمي يثبت من دعائم وجوده وثانياً ستدخل "امبراطوريات الفضائيات الخاصة". في معارك أكثر شراسة خلال الفترة المقبلة مع بعضها من ناحية وضد الدولة ومؤسساتها من ناحية أخري. وقد ظهرت الفوضي التي نعيش فيها إعلامياً وإعلانياً خلال الشهر الكريم. بعد أن فقدت الدولة قبضتها علي سوق الإعلانات وتركته فريسة لشركات كبري يمتلكها عدد محدود من الأشخاص. غيروا وجهتها إلي قنوات محددة يمتلكونها أو تابعة لرجال أعمال. والنتيجة ان اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري راح يتسول الأعمال الدرامية من شركات الانتاج الخاصة ويعيد إذاعة مسلسلات قديمة. بعد أن تعرض لضربات مدمرة خلال السنوات الماضية للقضاء عليه. وكادت هذه المحاولات تؤتي ثمارها. لولا يقظة الرئيس عبدالفتاح السيسي. رئيس الجمهورية. الذي تنبه إلي خطورة ما يواجهه إعلام الشعب من مخاطر وتحديات. وليس سراً ان أصحاب هذه الشركات الإعلانية هم الذين يتحكمون في محتوي الإعلام المقدم للجمهور في الإعلام الخاص. والذي بات في أحيان كثيرة يصب جام غضبه علي الدولة كلما قلت عوائد الإعلانات. وهذا كله بسبب عدم ضبط هذه السوق. من خلال إنشاء هيئة لتنظيم الإعلان. لتوزيعه علي القنوات بنسب معينة. علي أن يحصل إعلام الدولة الذي يمتلكه الشعب علي النسبة الأكبر ليتمكن من تنفيذ برامج التطوير ليصبح قادراً علي المنافسة. الغريب ان مشروع قانون الإعلام الموحد الذي وافق عليه مجلس الوزراء أخيراً وأرسله إلي مجلس الدولة تمهيداً لعرضه علي البرلمان تضمن 227 مادة موزعة علي 8 أبواب. ليس من بينها باب واحد عن الإعلانات. ولذا أعتقد ان الفوضي في الإعلام والإعلان ستستمر حتي بعد إقراره من جانب البرلمان. وهو ما سيأتي بنتائج عكسية علي الإعلام الوطني الذي يمتلكه الشعب. الذي يتعين أن يكون صاحب الكلمة العليا في هذا المجال. ولا يترك مثل ريشة في الهواء خصوصاً ان الأموال التي تدور في هذا السوق تقدر بالمليارات. ولا تحصل الدولة علي حقوقها منها سواء بحصول الإعلام الوطني علي النسبة الأكبر منه. أو بتحصيل الضرائب من الإعلام الخاص عما يتم إذاعته من إعلانات. فقد تكلف انتاج أحد الإعلانات الرمضانية 60 مليون جنيه. ولم تنبس وزارة المالية ببنت شفة عما إذا كانت حصلت الضرائب من الشركة المنتجة والفنانين المشاركين فيه أو القنوات التي تبث هذا الإعلان عشرات المرات في اليوم الواحد إضافة إلي مئات الإعلانات الأخري. وأقول لكم. ان الحكومة كان لديها وقت طويل لتنتج قانوناً للإعلام يحقق هيبة الدولة وسطوتها علي إعلامها مثلما يحدث في جميع دول العالم. خصوصاً انها في مرحلة بناء وفي حاجة لكل جنيه لتنفيذ المشروعات الطموحة التي أعلنت عنها وتعطي للدولة حقها في إدارة الإعلام. لا أن يديرها الإعلان. لكنها لم تستغل الفرصة. ورغم ذلك فالطريق كان ولايزال ممهداً أمامها لتحصيل حقوقها من خلال تضمين القانون الجديد هيئة لتنظيم الإعلان حتي لا تترك الحبل علي الغارب لشركات الإعلان التي حولت الإعلام إلي فوضي وهو ما سيأتي بنتائج سلبية علي أوضاعنا السياسية داخلياً وخارجياً. خصوصاً انها تتعمد خلق الإعلام الوطني عن طريق محاربته بالسبل كافة وحرمانه من الإعلانات حتي تزداد أزماته المالية. في الوقت الذي لا تتدخل الحكومة لدعمه ليعود إلي مكانته الرائدة. ولذا أتوقع مزيداً من الفوضي الإعلامية والإعلانية خلال الفترة المقبلة. لكن الوقت لايزال قائماً فأمام الحكومة فرصة لإعداد قانون منفصل لإنشاء هيئة لتنظيم الإعلان تتحكم من خلالها في هذه السوق لوقف الحرب الدائرة وتسيطر علي الإعلام لإعادة هيبتها وهذا حقها.