* اعتدنا أن نشاهد في الدراما التليفزيونية خاصة الرمضانية مسلسلات تدور رحاها وأحداثها في اطار المدينة.. وبالذات العاصمة القاهرة.. مع بعض المدن الأخري.. وتتنوع أحداث العمل ما بين أعمال رومانسية عاطفية أو مشاكل وقضايا من قلب المجتمع.. وقد تخرج عن الإطار فيِ قضايا القتل والجريمة وتجارة المخدرات أو في عالم البيزينس ورجال الأعمال.. وقليلا قليلا أعمال تتناول أبناء الصعيد أو في بيوت الفلاحين والمزارعين.. وهي السمة الغالبة في مسلسلاتنا الدرامية.. ولكن علي غير المألوف نجد مسلسلا يتناول ابناء النوبة.. وهو ما حدث هذا الموسم من خلال كينج الأغنية محمد منير!! * نجح محمد منير أن يطرح جزءا من حياة النوبة علي الشاشة الصغيرة من خلال مسلسل "المغني" الذي يتناول جزءا من حياته وكيف كانت بداياته وتعلقه بالغناء.. كما أنه تمكن أن ينقل صورة ما عن النوبة وعادات أهلها وتقاليدهم وفنهم المتوارث عبر السنين.. وهي تحسب لمنير.. فالنوبة تاريخ وطن عبر آلاف السنين.. ونسيج من تاريخ مصر القديمة وحضارة الفراعنة التي مازالت الحفائر والمعابد تسطر ذلك التاريخ.. ويكفي خير شاهد علي ذلك معبدا أبوسمبل وفيلة واللذان تم انقاذهما من الغرق إبان فترة تهجير النوبيين من أرضهم لبناء السد العالي والذي اصبح تجمع مياهه "أرض النوبة"!! * نقل محمد منير صورة جميلة لأبناء النوبة.. وأشار من خلال سرده وعباراته أن يكشف المعدن الأصيل للنوبيين.. بالرغم أن المسلسل يسير في اطارين.. اطار خاص بمنير كفنان وهو اطار خاص ممتزج بالنوبة.. أما الإطار الثاني فهو خط الدراما العادية الذي شاهدناه من خلال رانيا محمود ياسين وميار مغربي!! * كشف محمد منير في مسلسله "المغني" أن النوبة برغم بعدها الجغرافي عن العاصمة لم يؤثر في غيابها عن المحن التي عاشتها مصر.. ففي الوقت الذي يواجه أبناء القاهرة ومحافظات الإسكندرية والإسماعيلية وغيرها الاحتلال الانجليزي أطلق النوبيون أغنية "سو ياسو.. حبيبي حبسوه" وهي الأغنية التي حملت معني التضامن والتلاحم أبناء الشعب في مقاومة الاحتلال الإنجليزي. * من أهم مشاهد مسلسل "المغني" مشهد لتهجير النوبيين من أراضيهم المطلة علي ضفاف النيل إلي منطقة صحراوية تم استصلاحها سريعا من أجل استيعاب آلاف الأسر التي تركت وطنها خلفها.. وطن وأرض عاش فيها أهل النوبة آلاف السنوات ليضحوا بمنازلهم وقراهم وتراثهم إلي أرض جديدة.. ولكنها ليست الأرض الموعودة.. فكل الوعود البراقة ذهبت أدراج الرياح.. فما شاهدوه علي الماكيتات من شوارع مرصوفة ومدارس حديثة وبيوت تماثل بيوتهم لم تكن قريبة من الحقيقة.. وبعدما كان أبناء النوبة يشربون من مياه النيل مباشرة أصبحوا ينتطرون دورهم في الشرب من "طرومبة المياه" المنصبة علي ناصية كل شارع.. وشتان ما بين طعم مياه النيل.. وطعم مياه الآبار!! * لم يرض مشهد التهجير عددا كبيرا من أبناء النوبة حيث تم تقديمها بصورة سريعة وعلي استحياء.. وكان لابد أن يأخذ موضوع "التهجير" عدة حلقات.. لأن "الهجرة والتهجير" أصبحت موضوع أهل النوبة في معظم جلساتهم حتي اصبحت أغاني النوبيين هي عبارة عن الحنين للأرض القديمة!! * اعترض عدد من أبناء النوبة علي اللقطة التي ظهر فيها أحدهم يحمل صورة جمال عبدالناصر.. مؤكدين أن ذلك لم يحدث لرفضهم لما حدث لهم من تهجير وتشتيت الأسر عن وطنهم بسبب عبدالناصر وراء اقتراح هجرة النوبيين لبناء السد العالي. ولكن الحقيقة أن بعض النوبيين حمل صورة جمال عبدالناصر بالفعل.. ولكن المسلسل لم يسترسل حيث أن الأسر النوبية القت بصورة عبدالناصر بمجرد وصولهم إلي الأرض الموعودة بعدما اكتشفت انها خدعت وندموا علي موافقتهم وتركهم أرضهم.. فالبيوت هشة والحوائط مشتركة والعقارب منتشرة بسمومها والأرض الجديدة تحتاج لمزيد من العرق لزراعتها بعدما كانت مياه الفيضان تروي أراضيهم بكل سهولة!! * .. وتبقي النوبة تاريخا لا يستوعبها عدة مسلسلات.. وإذا كان محمد منير تطرق إلي تاريخ النوبة والأحداث التي مرت بهم وبطبيعة حياتهم.. فأنها لفتة من المسلسل في ظل عدم استيعاب المخرج وعدم معرفته من هم أهل النوبة.. بالاضافة إلي أن مؤلفي المسلسل غائبون تماما عن "كنية" النوبيون والذين حافظوا علي تاريخ مصر القديم.. وكانوا هم الشعب الوحيد امتداد الفراعنة وحضارتها!!