عندما يكون هناك عجز في موازنة الدولة ويكون هذا العجز بمئات المليارات من الجنيهات فإن واجب الحكومة هو إعادة النظر فيما تستورده من الخارج من ناحية وفي انفاقها الداخلي من ناحية أخري.. فاستمرار تصاعد هذا العجز عاما بعد عام يوقع الدولة في دوامة لا تستطيع الخروج منها. ولا شك ان مصر صرفت النظر عن كثير من السلع الاستفزازية التي كانت تستوردها من الخارج.. لكن علي الصعيد الداخلي هناك بعض القضايا يجب اعادة النظر فيها وبشرط الا تمس الفئات محدودة الدخل من المواطنين. سوف نأخذ المثل من سلطنة ¢عمان¢ التي اتخذت قرارا من حقنا ان نثمنه وننظر إليه بعين التقدير.. فماذا فعلت السلطنة العمانية؟! قررت وزارة المالية فيها وقف صرف المكافآت السنوية التي كانت تمنح للوزراء والوكلاء وكبار المسئولين في الحكومة. قالت الوزارة في بيان صادر عنها: إنه في إطار الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الحكومة نتيجة لانخفاض اسعار النفط تم وقف صرف المكافآت السنوية لاصحاب المعالي الوزراء وأصحاب السعادة الوكلاء ومن في حكمهم. أكدت الوزارة انها مستمرة في مراجعة كافة أوجه الانفاق وتنشيط الإيرادات غير النفطية لتقليل الاعتماد علي النفط كمصدر رئيسي للدخل. وكانت هذه المكافآت التي تم وقفها - كما ذكر مصدر في الوزارة - تمثل ما بين 35 و40 في المائة من الرواتب التي تخصص للمسئولين في الحكومة.. وكانت تشكل أهمية كبيرة لهم. وأشار المصدر إلي أن الحكومة العمانية حرصت علي أن تبدأ بالمسئولين قبل المواطنين في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد. هذا - في رأيي - درس لحكومتنا لكي تأخذ منه المثل والعبرة أن يبدأ التقشف من الرؤوس الكبيرة بدلا من الضغط علي الموظفين وأصحاب الدخل المحدود الذين تلاحقهم كل يوم بزيادة أسعار الكهرباء والمياه والغاز والضرائب التي لا حدود لها... وأسعار المواصلات وغيرها. الدولة وضعت حداً أقصي للمرتبات الحكومية بحيث لا يزيد الدخل علي 40 ألف جنيه شهريا. ووضعت حدا أدني بحيث لا يقل الدخل عن 1200 جنيه شهريا. والسؤال هنا: هل التزمت الدولة في تطبيق هذين الحدين علي موظفيها؟ أم أنها كالعادة تحايلت في كلتا الحالتين؟ هناك فئات مستثناة أصلا من الحد الأقصي مثل موظفي البنوك الحكومية.. وموظفي شركات البترول.. واعتقد هيئة قناة السويس وجهات أخري كثيرة لم يطبق عليها الحد الأقصي للمرتب.. وهناك المستشارون في كل وزارة أو هيئة أو مصلحة أو شركة والذين تفوق مرتباتهم تلك النسبة. وهناك رؤساء مجالس إدارة ومديرو عموم وكبار موظفين تم تطبيق الحد الأقصي عليهم في الأجور.. لكنهم تحايلوا علي الوضع بالمكافآت والحوافز وبدلات التمثيل وبدل حضور جلسات مجلس الإدارة بحيث تحول الحد الأقصي للمرتب إلي نموذج فاضح نتندر عليه. ناهيك عن ان بعض الوزراء ورؤساء الشركات الحكومية والمؤسسات بمجرد ان يتولي المنصب فأول شيء يفكر فيه هو تغيير سيارته المخصصة إلي أحدث موديل.. وتجديد مكتبه وأثاثه بعشرات الآلاف من الجنيهات. مصر تمر بضائقة مالية لا شك في ذلك.. وكان يجب علي كبار المسئولين فيها أن يبدأوا بأنفسهم ويكونوا قدوة ومثلا للموظفين والمواطنين الأدني منهم.. ويكونوا قدوة لغيرهم في الدول. لكن.. هذه حالنا بمجرد أن نتولي منصبا نبحث عن مميزاته المادية قبل الأدبية.. ولا ننظر بعين الاعتبار للكيفية التي تصرف بها رئيس الجمهورية ليكون أول المتقشفين في هذا البلد.