مَن يُطالع كُتب الظرفاء. وحكايات النوادر في العصور القديمة. يدرك أن المجتمع كان يمارس النكتة. والردود المُؤثِّرة النابعة من الثقافة العربية. التي كانت خبزًا يوميًّا لكل طبقات المجتمع. فالمتسوِّل مُثقَّف. وصَانع الأحذية كذلك. وأيضًا الحدَّاد.. بل إنَّ أصحاب المهن اليدوية هم علماء. مِن أمثال: الجاحظ الذي عمل في البريد.پ والإمام الكسائي الذي يصنع الملابس. وبقية الأئمة والعلماء الذين تدلُّ أسماؤهم علي مِهنهم. مِن أمثال: السكاكي والباقلاتي. والجزَّار والحلَّاج. والنجَّار والدقَّاق. والجوهري.. إلخ. وحتي يكون كلامنا عن أن الثقافة حقى موجود عند الجميع. تأمَّل القصة التالية: يُقال: "ألحّ سائل علي أعرابي أن يُعطيه حاجة لوجه الله. فقال الأعرابي: والله ليس عندي ما أُعطيه للغير.. فالذي عندي أنا أولي الناس به وأحق.. فقال السائل: أين الذين كانوا يُؤثرون الفقير علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؟.. فقال الأعرابي: ذَهبوا مع الذين لا يسألون الناس إلحافا". تأملوا طريقة التسوُّل الراقية والشواهد المصاحبة لها. أكثر من ذلك قِيل لأعرابي مِن عامَّة الناس: "ما يمنعك من الغزو؟.. فقال علي الفور: والله إني لأبغض الموت علي فراشي.. فكيف أمضي إليه ركضا؟". أليس هذا رَدّىاً مقنعاً؟. وممَّا يُروَي.. أن أعرابية ¢بائعة غنم¢ كانت في السوق تبيع شاة. فقيل لها: بكم هذه؟.. فقالت: بكذا. فقيل لها: أحْسني.. فتركت الأعرابية الشاة ومرَّت لتنصرف. فقِيل لها: ما هذا؟. فقالت: لم تقولوا أَنْقِصي. وإنما قُلتم أَحْسِني.. والإحسان تَرْك الكل. انظروا ¢بائعة غنم¢. ولكنها ¢جاحظية¢ في اللغة. وعالمة في المفردات ودلالاتها, ولو رحنا نتتبَّع الشواهد والنوادر لامتلأ المكان. ولكن حسبك من العُقد ¢لؤلؤة¢.. ومِن الديوان ¢قصيدة¢. وتروي كتب النوادر أن "رجلا مِن قريش مرّ بامرأة مِن العرب في البادية. فقال: هل مِن لَبني يُباع؟!.. فقالت المرأة بذكائها ¢الصحراوي¢: "إنك لئيم أو قريب عهد بقوم لئام".. فاستحسن السائل ذلك منها وخطبها وتزوجها. وطالما فتحت ¢سيرة الزواج¢ فإن الأصمعي يروي قائلا: "رأيتُ بدوية من أحسن الناس وجهًا. ولها زوج قبيح. فقلتُ لها: يا هذه.. أترضين أن تكوني تحت هذا؟.. فقالت: يا هذا.. لعلَّه أَحْسَن فيما بينه وبين ربه. فجعلني ثوابه. وأسأت فيما بيني وبين ربي. فجعله عذابي. أفلا أرضي بما رضي الله به؟". في نهاية الناصية أقول: هذه امرأة من دهماء الناس وعوامهم. أفحمت الأصمعي. الذي لم يحاول أن يصطاد في الماء العكر. بل عَكَّر الماء ليصطاد فيه. ولكنه خاب.. وهكذا هو دائمًا مصير كل مُثقَّف مُتحذلق!!.