لم أتوقع أو أصدق أن يصل الحال ببيتي الذي تربيت فيه "قناة النيل للرياضة" إلي هذا المستوي الذي أطاح بها بعيدا عن المنافسة الإعلامية رغم أنها كانت أول قناة رياضية متخصصة في المنطقة ولكن حال القناة انحدر إلي ما وصلت إليه الرياضة المصرية بشكل عام في الوقت الحالي من تخبط وانهيار. وقد حذرت هنا مرارا من أزمات الرياضة المصرية في كل المجالات إدارة وتنظيماً وتدريباً وإعلاماً وجماهير وكتبت العديد من المقالات حول هذه القضايا دون جدوي قبل أن ينحدر بنا الحال إلي ما وصلنا له الآن. وقناة النيل للرياضة لها في قلبي معزة خاصة لأنني كنت مشاركا في البناء منذ اللبنة الأولي مع الزميل السابق وأول رئيس للقناة الأستاذ حسام فرحات وكنت أول معلق علي أول مباراة تبث تجريبيا قبل أن أقوم أيضا بالتعليق علي أول مباراة تبث عليها رسميا في افتتاح كأس العالم 1998 بين البرازيل واسكتلندا مع الصديق العزيز أشرف محمود. لن أذكر ما يدور من فساد داخل البيت الذي تربيت فيه علي مبادئ الإعلام لسنوات طويلة ولكني حزين لما وصلت إليه كل الأحوال وأري هذا الحزن في عيون كل من بدأوا البناء الآن. ولكني سأركز علي عنصر واحد فقط هو التدخل السافر في السنوات الأخيرة للإعلان في الإعلام. هذا التدخل جعل كل شيء مباحا فلم تعد الرسالة الإعلامية السامية هي الهدف وإنما الاهتمام الأول بالإعلان ومن يجتذبه حتي لو كان ذلك برسالة إعلامية تبث السموم في المجتمع. أشاهد الآن في كل مكان حول الإعلان يتحكم في الإعلام بشكل سافر وأصبح الباطل أعلي صوتا من الحق لأن هذا ما يريده أصحاب الإعلانات. أما الموقف المؤسف جدا في تلك القضية فهو دور أصحاب المناصب في تلك المنابر الإعلامية.. فقد أصبحوا بلا أي دور وبلا أي سلطات علي الأماكن التي يقومون برئاستها طالما أن ذلك يخدم الأمور المادية التي أصبحت أهم كثيرا من رسالة إعلامية توجه مجتمعاً بأكمله. وأضرب هنا مثالا إيجابيا بما يحدث في أكبر بطولة عالمية الآن علي مستوي ما تجتذبه من إعلانات وما تمنحه من جوائز وهي بطولة دوري أبطال أوروبا والتي قد تصل فيها مجموع جوائز الفائز إلي أكثر من 60 مليون يورو. هذه البطولة لا يتحكم فيها الإعلان في الإعلام.. فلن تجد مثلا الشاشات تبث إعلانات خلال المباراة بشكل يثير المشاهد ويؤثر علي رؤيته ومتابعته للمباراة.. أما عندنا في بطولة دوري "الملاليم" فإنه من الطبيعي أن يقطع الشاشة إعلان لمنتج فاشل يحول دون متابعة كامل الشاشة لإرضاء المعلن.. وقد يقطع صوت المعلق إعلان وهو في قمة التفاعل مع أحداث المباراة ثم قد يتم قطع صوت المعلن وهو ينهي أحداث المباراة لإذاعة إعلان قبل حتي أن يذكر نتيجة المباراة النهائية. أو مسجلي الأهداف. وفي الاستديوهات التحليلية.. حدث ولا حرج.. فعليك أن تنتظر أمام الشاشة ربما لساعة كاملة حتي يبدأ التحليل إذا كان لديك الجلد للانتظار ثم عليك أن تستمع إلي دقيقة واحدة ثم يعود التوقف.. كل هذا من أجل المال والإعلان أما غير ذلك من رسائل إعلامية فإلي الجحيم. لن تقوم قائمة للإعلام المصري طالما سيطر الإعلان علي الإعلام!!