في أحيان كثيرة تعجز في الوصول إلي إجابة عن سؤال قد تبدو للوهلة الأولي إنها بديهية.. وان طرح السؤال من البداية هو نوع من السذاجة أو بمعني أخر أكثر أدبا هو نوع من عدم الدراية ببواطن الأمور. من بين هذه الاسئلة المحيرة السؤال الخاص بلماذا تم اختيار هذا الوزير بالذات لمثل هذا المنصب؟ وما هي الكرامات والكفاءات التي أظهرها خلال حياته العملية لتولي تلك المهمة الصعبة في مثل هذه الظروف الأصعب؟ خاصة إذا كانت المهام الملقاة علي عاتق تلك الوزارة جسيمة. وكل أفعال وزيرها تقع تحت الأضواء؟ هذا التساؤل طرأ علي ذهني وأنا أتابع أداء وزيرة الاستثمار الجديدة داليا خورشيد التي تولت منصبها منذ 23 مارس الماضي.. وأقارن بين أدائها الحالي وبين خبراتها العملية السابقة. فهي أول سيدة تتولي حقيبة وزارة الاستثمار. وحاصلة علي بكالورويس إدارة أعمال من الجامعة الأمريكية. وبدأت حياتها المهنية بالعمل في البنك التجاري الدولي. ثم تولت منصب نائب رئيس سيتي بنك¢. وفي عام 2005 انضمت لشركة أوراسكوم. وتولت منصب أمين الصندوق. وكان أخر منصب تولته قبل توليها الوزارة هو المدير التنفيذي للشركة.. وسألت نفسي وقتها مع علاقة هذا كله بالاستثمار؟ وهل تكفي تلك المؤهلات لإدارة مثل هذا الملف الخطير إذا اعتبرنا أن الاستثمار في هذا التوقيت هو طوق النجاة للاقتصاد المصري الذي يكاد يغرق بسبب الأوضاع الخانقة التي يمر بها منذ ثورة يناير؟ وهل تستطيع أن تنجح داليا خورشيد مؤهلاتها تلك فيما فشل فيه الوزير السابق أشرف سالمان. الذي فشل فشلا ذريعا في استغلال النجاح والزخم الذي تحقق في ?مؤتمر شرم الشيخ بسبب الجهد الخارق والمنظم الذي بذله الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكمته التي جمعت كل هذا العدد الهائل من زعماء ورؤساء ورجال أعمال من العالم كله ليقرروا استعدادهم الكامل لمساندة مصر في محنتها؟ نحن لا نظلم الوزيرة ? كما قد يظن البعض ? إذا ابدينا توخفنا من فشل الوزيرة وحكمنا علي أدائها الضعيف بعد مرور شهرين من توليها المنصب. لأن هناك وزراء تظهر كراماتهم وتلمع كفاءاتهم مع الأيام الأولي لتوليهم المنصب. وتشعر بعد شهر واحد وكأنهم في منصبهم منذ سنوات وفي يقيني أن ملف الاستثمار هو واحد من أخطر الملفات المعروضة الآن أمام الحكومة لعدة أسباب. - أولها ان نسبة البطالة التي ترتفع تدريجيا. وأعداد الشباب العاطل التي تزيد في الشوارع مع مرور الأيام. هي بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة وتهدد كل المحاولات التي تبذلها الدولة من أجل تحقيق الاستقرار الاجتماعي. وهذه القنبلة الموقوتة في حاجة عاجلة إلي مشروعات استثمارية جديدة تستوعب هؤلاء العاطلين قبل انفجارهم. - وثانيها ان الجهد الخارق الذي يبذله الرئيس السيسي. والمليارات التي يتم صرفها في تهيئة البنية التحتية. وإقامة مشروعات الطاقة والطرق. ومشروع تنمية منطقة قناة السويس. كلها تستهدف في النهاية تهيئة بيئة مناسبة أمام المستثمرين وجذب مزيد من الاستثمارات. وخاصة الاستثمارات الأجنبية المباشرة. فإذا لم تنجح في اعداد مناخ تشريعي وإداري جاذب. ثم قمنا بدورنا في التسويق لهذا المناخ. فإن كل هذا الجهد وكل تلك المليارات لا جدوي لها ولن تحقق العائد المنتظر منها. - وثالثها ان مشكلة ارتفاع الأسعار التي يصرخ منها المصريون سببها في الأصل تراجع الاستثمارات الصناعية سواء المحلية أو الأجنبية. وتوقف عدد كبير من المشروعات. لأن الاستثمار الصناعي يعني ببساطة افتتاح مصنع جديد. وزيادة المعروض من السلعة التي ينتجها هذا المصنع. وإذا زاد العرض تراجع السعر. ثم تراجع الطلب علي النقد الأجنبي المطلوب لاستيراد تلك السلعة من الخارج. فيتراجع سعر الدولار أو علي الأقل يثبت سعره.. وهكذا.. أما إذا تراجعت الاستثمارات وأغلقت المشروعات. فإن العكس هو الذي يحدث. وخطورة ملف الاستثمار انه متشابك مع العديد من الوزارات الأخري. لأن البيروقراطية العفنة التي تتحكم في الجهاز الإداري للدولة تجعل الحصول علي ترخيص لاقامة أي مشروع استثماري جديد تماثل تماما إجراءات الكعب الداير التي ينفذها المشتبه به في أقسام الشرطة. فلا قانون استثمار يكفل له تبسيط الإجراءات. ولا جهة واحدة يتعامل معها ليحصل منها علي ضالته. من هنا نقول إن هذا الملف يتطلب وزيرا يدرك أولا حجم المسئولية الملقاة علي عاتقه. ويتمتع ثانيا بمهارات وملكات تؤهله لإدارته بكفاءة وبالسرعة اللازمة لانقاذ الاقتصاد من الغرق. وقادر ثالثا علي اعداد وتهيئة بيئة تشريعية وإجرائية ميسرة ومناسبة لتشجيع المستثمر للاستثمار في مصر.. وأنا أشك أن وزيرة الاستثمار الحالية قادرة علي ذلك.. والأيام بيننا.