الوظيفة: إخصائي اجتماعي بوزارة التربية والتعليم محل الإقامة: قرية أبومنجوج مركز شبراخيت محافظة البحيرة البيانات السابقة لا تختلف كثيراً عن بيانات ملايين المصريين الذين ارتضوا ما قسمه الله لهم ويؤدون واجباتهم الوظيفية والاجتماعية والإنسانية وفق قدراتهم وإمكاناتهم ومواهبهم ويكافحون من أجل أن تعيش أسرهم في ستر وعزة وكرامة ويحملون مشاعر الحب والانتماء والولاء للوطن. لكن هذا الرجل الذي ودع الحياة فجأة منذ أيام وبكاه الآلاف من أهالي البحيرة لم يكن شخصاً عادياً. بل كان نموذجاً للأمانة والكفاح واكتساب المهارات والخبرات والمعارف فأتقن الكثير من الأعمال والمهن. وكان نموذجاً طيباًَ في كل عمل يقوم به وتخلص من كل أشكال الطمع والجشع فأحبه الناس وتضاعفت ثقتهم به وأقبلوا علي التعامل معه في كل حرفة يتقنها. وفي كل معاملة يكون طرفاً فيها. * * * اقتربت كثيراً من هذا الرجل وكنت أقف إلي جواره مندهشاً. وهو يؤدي مهنة النقاشة بحرفية عالية واتقان ما بعده اتقان رغم أن وظيفته الأساسية "إخصائي اجتماعي" وأثناء ممارسته للمهنة التي يعشقها ويمارسها إلي جانب عمله تعطل جهاز كهربائي بالمنزل وعندما علم بذلك طلب رؤية الجهاز وقام بفحصه بحرفية الخبير بالأجهرة الكهربائية وبعد دقائق كان الجهاز يعمل بكفاءة بعد أن قام بإصلاحه وبادرني قائلاً: "ألا تعلم أنني أقوم بإصلاح كل الأجهزة الكهربائية وعندي ورشة صغيرة ملحقة بمنزلي" وقبل أن يغادر المنزل شاهدني ألقي ببعض اللمبات الكهربائية الموفرة "المحروقة" في سلة القمامة فالتقطها وأخذها معه إلي منزله وفي اليوم التالي جاء لي ببعضها يعمل فاندهشت وسألته: هل هذه اللمبات يمكن اصلاحها بعد تلفها؟ قال: نعم أقوم بفكها وإعادة توصيلها بطريقة معينة لتعمل من جديد. كان هذا الرجل الذي افتقدناه نموذجاً للكفاح والمهارة ويؤدي كل حرفة باتقان وقاد مجموعة من شباب قريته لاكتساب مهارات حرفية نادرة وبالتالي اكتساب ثقة الناس وحبهم وحرص الجميع علي التعامل معهم. * * * قصة كفاح أشرف الخرادلي فيها الكثير من العبر والعظات لهؤلاء الكسالي الذين يجلسون في بيوتهم ويستسلمون للظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها الغالبية العظمي من المصريين ولا تسمع منهم إلا الشكوي واللعنات علي البلاد والعباد. كثير من المصريين من محدودي الدخل سواء أكانوا موظفين أو حرفيين يعتقدون أن الدولة هي المسئولة عن تحسين أحوالهم المعيشية دون أن يقوموا هم بما هو واجب عليهم من أعمال. ودون أن يتحركوا لاكتساب خبرات ومهارات ودون أن يسعوا لفتح أبواب جديدة للرزق الحلال كما كان يفعل أشرف الخرادلي الذي تعلمت منه الكثير. كثير من الموظفين في مصر لا شاغل لهم بعد الجلوس لبعض ساعات علي كرسي في مكتب دون عمل سوي الغيبة والنميمة والشكوي من سوء الأحوال والخوف من القادم الأسوء وترديد الإشاعات الكاذبة عن أحوال البلد. دون أن يدرك هؤلاء أنهم عالة علي المجتمع وأنهم طاقات معطلة وأنهم بلا خبرات ولا مهارات تساعدهم علي تحسين أحوالهم المعيشية. كثير من الموظفين الكسالي يتعالون علي الناس ولا يقبل معظهم أن يخلع رداء الوظيفة ليرتدي رداء مهنة شريفة ويمسك بسكينة المعجون ليعزف بسميفونية مهارية رائعة علي الحائط كما كان يفعل هذا الرجل النبيل والشريف والمكافح لتقف إلي جواره منبهراً وتجد نفسك تقول له: "الله يفتح عليك.. ربنا يكرمك ويبارك لك في صحتك ورزقك". كنت آحترم في هذا الرجل تواضعه وحرصه علي أن يكتسب رزقه من حلال ويحسن من أحوال أسرته المعيشية بالعرق والكفاح وليس بالفهلوة والسمسرة والنصب علي الآخرين كما يفعل كثير من الذين يعملون في المهن الحرفية. ما أحوجنا إلي أن نتعلم في حياتنا من هذه النماذج المشرفة التي تقدر قيمة العمل وتعلي من شأنه وتتواضع له ولا تتعالي علي أي عمل شريف وكريم. ما أحوجنا إلي ملايين من نوعية أشرف الخرادلي لتعود مصر دولة منتجة فعلاً بعد أن أصبحنا أكثر خلق الله كلاماً وجدلاً وخلافاً وصراعاً وتكاسلاًَ.. ثم نشكو من سوء الأحوال وضعف الأجور ونوجه اللعنات للحكومة ويسير بعضنا خلف الفوضويين الذين يعيشون علي أرض مصر وينعمون بأمنها وخيراتها وهم بلا وطنية. مصر في حاجة إلي الذين يعملون في صمت.. وليس إلي العاطلين المخربين الذين ينشرون الشائعات والأكاذيب.