دعا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب. شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين المسلمين في أوروبا إلي أن يعوا جيداً أنهم مواطنون أصلاء في مجتمعاتهم وأن المواطنة الكاملة لا تتناقض أبداً مع الاندماج الذي يحافظ علي الهوية الدينية مبينا أنه قد آن الأوان لننتقل من فقه الأقليات إلي فقه الاندماج والتعايش الايجابي مع الآخرين. وأكد في كلمته بفعاليات الملتقي الثاني للحوار بين حكماء الشرق والغرب بالعاصمة الفرنسية باريس أمس. أنه لا ينبغي أن تكون بعض القوانين الأوروبية التي تتعارض مع شريعة الإسلام حاجزاً يؤدي إلي الانعزال السلبي والانسحاب من المجتمع. وطالب العالم والحكماء من الشرق والغرب بالتصدي لمحاولات تهويد أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصي المبارك وحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً شاملاً لأن حل هذه القضية- في نظرنا- هو مفتاح المشكلات الكبري التي تعيق التقاء الشرق بالغرب وتباعد ما بين الشعوب وتؤجج صراع الحضارات. اقترح "الامام الأكبر" أن تكون قضية "الاندماج الايجابي" للمسلمين في أوروبا موضوع اللقاء التالي وهو الثالث بين حكماء الشرق والغرب في المكان والزمان اللذين يعلن عنهما فيما بعد لأهمية هذه القضية. وأوضح أن قضية "إندماج المسلمين" في أوطانهم الأوروبية وانفتاحهم علي مجتمعاتهم التي وُلدوا فيها وصاروا جزءاً لا يتجزأ من نسيجها الوطني بكل أبعاده الاجتماعية والثقافية والسياسية أصبحت تُشكِّلُ عقبةً علي طريق المواطنةِ الكاملة التي تُمثِّلُ عنصرَ ثراءي وقوَّةي للمجتمع الأوروبي. وأشار إلي أن ظاهرة الاندماج الايجابي خضعت لدراسات عدة وعُقد من أجلها أكثر من مؤتمر وكتب فيها الكثير من المقالات والكتب وكلها ترصد تردُّدَ كثيرُّ من المسلمين عن الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة خوفاً علي هُويتهم الدِّينية من الذوبان وأيضاً توجس المجتمع الأوروبي من تفكُّكِ مكتسباته الحضارية إذا ما فتح الأبواب للمختلفين عنه ديناً وثقافة وقد رصد المحلِّلون بعض العقبات علي الجانبين. الاسلامي والأوروبي. لا تزالُ تعملُ في إقامة الحواجز والفواصل والتهميش الذي كان أحد الأسباب في انضمام كثير من الشباب الأوروبي المسلم الي حركات العنف والإرهاب المسَلِّح. واستعرض "الطيب" معوقاتِ الاندماج من جانب المسلمين. وفي مقدمتها الانتماءاتُ الإقليمية والولاءات العِرقيَّة والاختلافات الطائفية والمذهبية التي تلازمهم في أوروبا ملازمة الظل وتجعل من الصعب عليهم الانخراطَ في مجتمعاتهم بل كثيراً ما تصعِّب عليهم الاختلاطَ بغيرهم من المسلمين الذين يعيشون معهم ويعتقدون معتقدهم لكنَّهم لا ينتمون إلي إقليمهم ولا ينتسبون إلي هويتهم العرقية والطائفية وتابع إن من أهم المعوقات من جانب المسلمين أيضاً هذه الدعوات التي يُطلقها البعض باسم الدين وتدعوا إلي مفاصلةِ المجتمع الأوروبي نفسيًَّا والاقتصار في مخالطته علي الضرورات. أضاف ان المواد الإعلامية السلبية التي تسيء للمسلمين وتصورهم للشارع الأوروبي علي غير حقيقتهم ومن ذلك الرسوم المسيئة لنبيهم "صلي الله عليه وسلم" عن وعي وقصد وجهل تام بمكانة الدين ومنزلة الأنبياء في قلوب المسلمين شرقاً وغرباً والخلط بين الصورة الحقيقية للمجتمعات الإسلامية الشرقية وبينما يحدث في مناطق الصراع والتوتر من صُور الدماء والأشلاء مما يرصده الباحثون من عوائق علي هذا الطريق تسييس الوجود الإسلامي في أوروبا والمضاربة به في بورصة الانتخابات لجذب مزيد من الأصوات وينعكس سلباً علي علاقات الأوروبيين بمواطنيهم. وناشد "الطيب"المواطنين المسلمين في أوروبا ان يجعلوا في أنموذج المدينةالمنورة بقيادة رسول الله "صلي الله عليه وسلم" الأسوةُ الحسنة حيث أسست وثيقة المدينة هي أول دستور عرفته الإنسانية أسست مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المختلفين ديناً وعرقاً. وأشار إلي ضرورة ألا تكون بعض القوانين الأوروبية التي تتعارض مع شريعة الإسلام حاجزاً يؤدي إلي الانعزاف السَّلبي للمسلمين بالغرب والانسحاب من المجتمع فهذه القوانين لا تفرضها الدولة علي الناس وإذا ألزمت بعضُ القوانين المسلمين بما يخالف شريعتهم فعليهم حينئذ الالتزام التام باللجوء إلي القوانين التي تكفُلُ لهم حق التضرر من هذه القوانين والمطالبة بتعديها. وطالب "شيخ الأزهر" الدعاة الأئمة وكل من يشارك في خطابات المسلمين وإرشاداتهم في أوروبا للانتقال من فقه الأقليات إلي فقه الاندماج والتعايش الايجابيين وأن يتذكروا قواعدنا الفقهية الجامعة التي تقرر ان الفتوي تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص وأن التكليف بحسب الوسع وأن دين الله يسر وأن المشقة تجلب التيسير وأن الأمر اذا ضاق اتَّسَع. وأنه لا تحريم مع الاضطرار ولا وجوب مع العجز والمؤمن مُلْزَمُّ بوفاء العهود والعقود.. ولا دِينَ لمن لا أمانة له.. وأعلم أيها المسلم في كل مكان أن الناس إما أخُّ لك في الدين أو نظير لك في الانسانية. كما طالب أصحاب القرار النافذ والمؤثِر في مجريات الأحداث في العالم أن يتحملوا مسئوليتهم كاملةً أمامَ الضَّمِيِر العالمي والإنساني وأمامَ التاريخ بل أمام الله يوم يقوم الناس لرب العالمين" ويتدخَّلُوا لصد الإرهاب العالمي ووقف حمامات الدماء المسفوكة وأكوام الأشلاء المتناثرة من أجساد الفقراء والمساكين وأطفالهم ونسائهم والتي يقدِّمونها كل يوم قرابينَ علي مذابح العابثين بمصائر الشعوب والغافلين عن قِصاصِ السَّماءِ وعدالتها التي تُمهل قليلاً لكنها بكلِّ تأكيدي لاتُهملُ ولا تنسي. وأشار "الطيب" إلي ما شهدته باريس الجميلة المتألقة من حادثة إرهاب أسود في ليلةً سوداء فَقَدَت فيها قَرابةَ مائة وأربعين ضحية من أبنائها سُفِكَت دماؤهم في غَمْضةِ عين إضافة إلي ثلاثة مائة وثماني وستين آخرين وهو ما رفضه كل من في الشرق والغرب لمخالفته للفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية وكل تعاليم الأديان والأعراف والقوانين. وتابع أن هذا الحادث الأليم ومثلُه حوادثُ أخري دموية وقعت في بلجيكا بل حوادث أشد دمويةً وأكثر وحشيةً تحدُث كل يوم في الشرق الذي غَرِقَ إلي أذنيه في مستنقعات الدَّم والثُّكْل واليُتْم والتهجير والهروب إلي غير وِجْهةي في الفيافي والقفار بلا مأوي ولا غذاء ولاغطاء.. تَفرِضُ فرضاً علي الحكماء وصانعي القرار التصدي للإرهاب. وشدد علي أنه لم يعد أيِّ من الشرق والغرب اليوم بمَعْزِلي عن الآخَر كما كان الحالُ في القرن الماضي ولم يعد الشرق هو هذا المجهول المخيف الذي تترامي أطرافُه فيما وراء البحارِ كما كان يتصوره الغربيون من قبل كما لم يعد الغرب هو النموذج الغريب الذي يستطيع الشرقيون من مسلمين ومسيحيين أن يتجنبوه ويُغلقوا أبوابهم دونه. وقال "الطيب" ينبغي أن تكون نظرتنا الجديدة للغرب موضوعية مبنية علي مبدأ التأثير والتأثر فلم يعد أي من الشرق والغرب اليوم بمعزل عن الاخر فكلاهما يؤثر في الآخر ويتأثر به. طالب "شيخ الأزهر" باستبدال كلمة "العولمة" التي أدت إلي تدمير هوية الشعوب وخصائصها التي خلقها الله عليها بكلمة "العالمية" والتي عبر عنها شيوخ الأزهر في القرن الماضي بأنها الزمالة العالمية أو التعارف كحل لانقسام العالم وتكريس الثنائيات الحادة التي تنتهج الصراع وتشعل الحروب مبينا ان عالمية الإسلام تنظر إلي العالم كله علي أنه مجتمع واحد تتوزع فيه مسئولية الأمن والسلام علي الجميع. وقال إن "العولمة" لا يمكن أن تكون حلاً لعلاقات التوتر والتربص المتبادلة بين الشرق والغرب أو تُشكِّلُ خطوة علي طريق التقائهما وتعاونهما من أجل تحقيق السلام العالمي وتوفير السعادة للإنسانية جمعاء بل هي بكلِّ تأكيد مرحلة جديدة علي طريق الصِّراع العالمي بما تتأبطه من تدمير لهويات الشعوب وخصائصها التي خَلَقَها الله عليها والتي لا يمكن لأي شعب منها أن يُفرِّط فيها قبل أن يفرط في حياته وكل ممتلكاته. وشدد علي عالمية الإسلام واهتمامه بالعدل والمساواة ونظرته للعالم كله علي أنه مجتمع واحد تتوزع فيه مسئولية الأمن والسلام فيه علي جميع أفراده وتابع لا ينبغي أن يقتصر فهمنا لحدود الله في الحديث بالمعني الضيق الذي ينطبق علي المجتمعات الاسلامية وأعني به الأحكام الشرعية الفقهية بل ينبغي فهم هذه الحدود بالمعني الأعم الذي يؤكد مبدأ العالمية في الاسلام فكما لله حدود شرعية جزئية فله أيضاً حدود كونية علي هذه الأرض في مقدمتها العدل والمساواة بين البشر وتقرير الأخوة بينهم لأنهم جميعاً يلتقون في أب واحد وأم واحدة وأن ما بينهم من فروق واختلافات فطرهم الله عليه هي اختلافات التنوع والتعارف والتآخي. وطالب الشرقيين باعادة النظر في فهمهم للغرب وتقييم حضارته واكتشاف ما يسكن هذه الحضارة من قيم إنسانية مشتركة لا يتفاضل فيها شرق ولا غرب وكذلك توظيف المشترك الانساني في علاقات دولية تقوم علي التعاون وتجنب الحروب وأن تكون نظرتنا الحديثة للغرب نظرة موضوعية تتأسس علي مبدأ التأثير والتأثر وفلسفة التعارف والتكامل وتطبيق القاعدة الذهبية في أمر العلاقة بين المسلمين وغيرهم في الوطن الواحد.