عندما شاهدت فيلم ¢حار جاف صيفا¢ للمخرج شريف البنداري في عرضه الأول بمهرجان الإسماعيلية هذا العام. تذكرت جملة فؤاد المهندس ¢حار جاف صيفا. دفئ ممطر شتاء¢ في مسرحية ¢أنا و هو و هي¢. و ذلك بالرغم من عدم وجود أي علاقة بين العملين. ولكن حيادية الجملة في المسرحية. و سياقها. والأداء التمثيلي قد أدي إلي توصيل شحنة. جعلت الجملة تنطبع لدي جمهور المسرحية. و قد قام الفيلم بتأثير مماثل علي المشاهد. يدور الفيلم الروائي القصير حول شوقي "محمد فريد" المريض بالسرطان. يستقل تاكسي في طريقه إلي الدكتور الأجنبي ليري حالته المتدهورة. تركب معه فتاتان بالصدفة معه في الطريق. إحداهما دعاء "ناهد السباعي". و عرسها الليلة لتعدل مسار رحلته و عمره. إشكالية الفيلم. وهنا لا أعني بوجود خلل بالفيلم. بل بتجاور العناصر المتناقضة. و إعطاء حيوية للفيلم بشكل جديد. انه كان من الممكن أن يلعب الفيلم علي العواطف و¢يبتزها¢. إلا أن شريف البنداري كعادته يخلق درجة من المسافة بيننا و بين الشخصيات من خلال الأداء التمثيلي المتميز. والذي شاهدنا من قبل في فيلميه القصيرين ¢صباح الفل¢. و ¢صيد العصاري¢. بالإضافة إلي الكادراج. وعدم وجود موسيقي للتلاعب بالعواطف. و لكنه أستطاع أن يحرك مشاعرنا في لحظات محددة. خاصة في نهاية الفيلم. تتطور أحداث الفيلم من خلال مسار الكيس الأصفر الذي يحتوي علي كل تاريخ عم شوقي المرضي. والذي ينتقل بالخطأ من يده إلي يد دعاء. ليصبح عم شوقي نفسه في النهاية بين يدي العروسة. كأنها أعطته قبلة الحياة في مشاهد أوضحت التوتر الجنسي والعاطفي لدي الرجل نحو العروسة. مغلفة بالعلاقة الأبوية نتيجة فارق العمر بينهما. خاصة في مشهدين رائعين بالفيلم: مشهد تحية السيارات العابرة لهما بمناسبة الزفاف. و نظرة عم شوقي والعروسة من خلال الزجاج الخلفي للتاكسي. و تحوله إلي أب/زوج للعروسة. والمشهد الآخر عندما يأخذ مكان العريس الغائب في أستوديو التصوير. يتناول الفيلم عدداً من الثنائيات مثل المرض و الصحة. الشباب و الشيخوخة. الحب والرغبة. الأب والابنة. الصورة و الأصل. و أخيرا اليقين و الصدفة. فمن خلال عنوان الفيلم الذي جاء كوصف لحالة مناخية يقينية "ليست يقينية مع التغير المناخي". إلا أنه حولها إلي ذكري جميلة في سياق الفيلم لكل من الرجل و العروسة. تزوجت العروسة من الرجل الذي تحبه. و نراها تقوم بأعمال المنزل. و يجلس ابنها ذو العامين تقريبا علي الأرض لنتعرف علي مرور الزمن. و ليمهد لمشهد عم شوقي في الشرفة. لم يمت عم شوقي . و قد نما شعره. يستمتع بالحياة و الأيس كريم . بالرغم من يقين الدكتور من حتمية وفاته خلال أسابيع. فلقائه بمحض الصدفة بدعاء العروسة. أعطته هذه الرغبة الشديدة في الحياة ليتحول من رجل محكوم عليه بالموت إلي رجل يستمتع بالحياة. فكلاهما احتفظ بهذه الذكري بالشكل الذي يريده من خلال الصورة الفوتوغرافية التي لدي عم شوقي. يظهر فيها. و هي الصورة الواقعية. لكنها لا تنم عن الحكاية الحقيقية. و الصورة المزيفة لدي دعاء التي تم التلاعب بها من خلال الفوتوشوب. إلا أنها تعبر عن الحكاية الحقيقية, وبالتالي يفصل الفيلم بأسلوب ذكي و رائع بين الواقع و المعني. هذه الذكري تضع الابتسامة علي شفاه الجمهور وتشعره بالرضا والأمل بدون أي ألاعيب تقليدية في التلاعب بمشاعر الجمهور. فقط من خلال لغة سينمائية خالصة تربط بين العروسة و صورتها مع زوجها. و بين عم شوقي و صورته مع العروسة من خلال حركة كاميرا جانبية في المشهدين. فاز الفيلم بجائزة أفضل فيلم روائي قصير. و جائزة أكت الخاصة بقضايا المرأة بمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية و القصيرة.