هل هذا هو الوقت المناسب للسؤال عن قدرة الحركة الثقافية المصرية علي إنقاذ ثورة 25 يناير من قيود إطار السياسة الضيق وتحويلها لحركة وعي تعيد لعقل مصر رشده المفقود؟ بالتأكيد السؤال مطروح منذ مرت الثورة بعامها المضطرب الأول. وتبين بصدق أن المثقف بكتبه وأفكاره ومؤسساته خارج دائرة التأثير الفاعل في المجتمع. كما خرجت الجامعة كمؤسسة للمعرفة من معترك التفكير وانشغلت بمشاكلها المزمنة مع التدني المتزايد في المستوي العلمي لطلابها وأساتذتها إذا أردنا الحقيقة. كما خرجت منابر التنوير في مساجد مصر من الخدمة. واحتلتها أصوات الظلام الساعية لتحويل نعيم الجنة وعذاب جهنم لأداة ترغيب وترهيب تضمن أصوات الجماهير في صناديق كل الاستحقاقات الانتخابية. واكتملت الدائرة بحالة الاحتراب الاعلامي الذي يمارس منذ سنوات حروبا علي العقل الجمعي المصري لا تستهدف الا تأميم قراره لصالح أصحاب المال. أركان أربعة لكل نهضة ثقافية مصرية في العصر الحديث هم المثقف والجامعة ودور العبادة والإعلام. وكلهم خارج الخدمة ولا توجد إرادة حقيقية ولا ظهير شعبي قادر علي استعادتهم للقيام بأدوارهم الأساسية. فالمهم الآن هو رغبة كل فصيل في توجيه أو تحييد تلك المؤسسات لخدمة مصالح ضيقة. أين يكمن الحل؟ ليس أمامنا الا العودة لدروس التاريخ. فقبل كل نهضة مصرية كان الوضع قريبا مما نراه الآن أو أسوأ. وكان الأمل في النهضة أبعد من كل القدرات الملموسة. وكان يأس الكبار في أركان النهضة الأربعة غالبا علي أمل الأمة فيهم. وكان طوق النجاة يأتي دوما من بعيد عبر مبادرات فردية لجيل جديد تتشابك معا لتصنع واقعا ثقافيا يطيح بكل هزائم الماضي. فعلها البارودي في الشعر. وطه حسين وأحمد لطفي السيد في الجامعة. ومحمد عبده في المساجد. وسيد درويش في الموسيقي وجيل من الرواد العظام في المسرح والسينما. وهذا وحده الأمل المنتظر .. جيل جديد بريء من فساد الماضي ويأسه. وأظن أن الدورة الحالية لمعرض القاهرة للكتاب شهدت مولد هذا الجيل سواء داخل صفوف إدارة المعرض أو بين جنبات مخيمات الأنشطة من باحثين ومبدعين وناشرين. ادعموهم بقدر أملكم في غد أفضل لمصر مستنيرة وقوية وراغبة في الحياة.