في إطار احتفاء معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال47. بأديب نوبل نجيب محفوظ. بمناسبة مرور عشر سنوات علي رحيله. ناقشت ندوة "المكان في أدب نجيب محفوظ" تفاصيل مهمة ودلالات لبعض المصطلحات المكانية ومعانيها. شارك فيها الدكتور مصطفي الضبع. الدكتور حسين حمودة. والكاتب عمر شهريار.. وادار اللقاء الفكري الكاتب منير عتيبة مؤسس ومدير مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية. في البداية قال د. حسين حمودة. رئيس تحرير دورية نجيب محفوظ إن نجيب محفوظ في رواياته ركز علي مساحات ضيقة جداً . لافتاً إلي أن كل مساحة لها دلالات متعددة وعميقة . ومثالا علي ذلك ¢ العتبة ¢ وانه عندما يتحدث في رواياته عنها فهو يعني العبور من زمن لاخر وانه بعد عبوره العتبة يظل مشدودا الي زمنه الاول وآخرون يعبرون دون تردد تاركين الزمن الذي ولي والعتبة بهذه المعاني حاضرة في روايات نجيب محفوظ . أضاف: في زقاق المدق ترتبط العتبة بخروج حميدة في جولات يومية وتعود إلي الزقاق والعتبة مرتبطة بالقرار الذي اتخذته حميدة في البحث عن الحب والنقطة التي تمثل العتبة اللحظة التي استقلت فيها التاكسي للخروج الي حياة اخري وهي اشارات دالة جدا حيث جاءت السيارة وفتح الباب ورفعت قدمها للدخول ففصلت هذه الحركة بين حياتين والعتبة هنا ممثلة في باب التاكسي. مضيفا ان هناك عدداً من روايات نجيب تأسست علي فكرة الطريق ومنها ¢ اللص و الكلاب ¢ و ¢ قلب الليل ¢ وتبني علي فكرة الطريق وترتبط به الشخصيات بتنوع هناك طريق الانتقام في اللص والكلاب من عالم ليس عادلاً و الطريق في رواية ¢ الطريق ¢ هو البحث عن الحرية وفي ¢ السمان والخريف ¢ طريق الاغتراب حيث لم يجد له مكان في العالم الواقعي وفي رواية ¢ الشحاذ¢ طريق البحث عن معني و في كل هذه الروايات هناك عتبات تفصل بين حياتين وهناك كيفية يتم بها العبور ببعض العتبات وفي ¢ السراب ¢ يعيش كامل مع امه التي تحجبه عن العالم و عن اللعب مع اصدقائه وتلصقه بها و عندما يخرج من البيت يجد صعوبة في التكيف وعندما يذهب لزيارة والده في الحلمية يجد صعوبة في اجتياز عتبة منزله وعبارات كامل واضحة ¢ فاجتزت العتبة بقدمين ثابتتين ووجدت نفسي في حجرة كبيرة ¢ والعتبة الحاسمة هي عندما تدخله الي زوجته وعندما ذهب ليخطبها حيث وقف طويلا امامها عاجزا مفردات بسيطة وجزئية كما لاحظنا محملة بدلالات عميقة كل منها ليس مجرد مكان. وإنما هي مجرد تمثيل حركة من حركات التاريخ الإنساني ورصد التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. وقال منير عتيبة ان نجيب محفوظ كان يتوقف عند الجغرافيا و الطبوغرافيا في المكان و مع تطور ادب محفوظ اصبحت لديه دلالات رمزية ففي الحرافيش الحارة مختلفة و مفرداتها رمزية و في ¢ اولاد حارتنا ¢ كذلك و لانه يهمه الاغراق في الانسانية فقد وصل الي الانسانية في جميع انحاء العالم. وقال الناقد مصطفي الضبع وكيل كلية دار العلوم جامعة الفيوم والمحاضر بالجامعة الامريكية انه يشكر منظمي المعرض علي اختيار هذا المحور وانه لابد من قرأت ادب نجيب محفوظ كل خمس سنوات علي الاقل وان يتعرف عليه كل الاجيال و خاصة الجانب الانساني والذي يجب ان يدرس مع علوم التنمية البشرية وان عدم الالمام به هي رؤية قاصرة عند الحدود النصية والتي يختلف البعض حولها ويعلمنا محفوظ مبدأ اساسياً في قراءته ان النص له منطقه الخاص او كأنها مدينة عندما تذهب إليها عليك ان تتعامل مع قانون هذه المدينة واذا اردت قراءته فعليك ان تتعامل مع منطق النص و ليس منطقك و نحن نتعامل مع النصوص بمنطق ثلاثي و كأننا نتعامل مع البحر اما ان ننظر الي البحر من الشاطئ او نسبح فيه او نغوص فيه و الغوص هو الاهم للتعرف علي النص من منظور اعمق مشيرا الي نجيب محفوظ احسن التعامل مع الوقت و السيطرة علي مواقيته و يذكر له انه عندما حصل علي جائزة نوبل و قدمت له الصحف ووكالات الانباء للحديث عن الجائزة و كان نائما حيث ان له توقيتات محددة للنوم و العمل و الاكل اعتذر للمراسلين وطلب منهم ان يحتسوا القهوة واكمال نومه وانه سيكون معهم بعد ذلك وهو بهذا لا ينساق للحوادث الطارئة. وقال ان محفوظ كتب لنا بالمكان و ليس عنه حيث انه يحول الامر من فكرة الكتابة عن تفاصيل المكان و التي قد نكون نعرفها او لا نعرفها الي استديو وحول الحارة المصرية الي استديو و يقوم بتغيير الشخصيات حيث انه لا يقام لفيلم واحد و انما لملايين الافلام و يمكن للكاميرا ان تصور من اكثر من زاوية مختلفة للحارة لديه وهو يحول الحارة الي استديو يتغير كل مرة فيه الديكور و الشخصيات والاضاءة . وقال ان محفوظ في استخدامه للمكان يحيلنا الي تساؤلات مجازية ففي ¢ ليالي الف ليلة ¢ يتحدث عن مدينة شهريار في عمل روائي غاية في البساطة و الجمال و العمق يتحدث خارج نطاق الليالي المكان المغلق و كيف هو حال المدينة في هذه اللحظات خارج القصر في حين ان النص الاصلي لالف ليلة و ليلة لم يقدم اي اشارة لخارج القصر و هو خروج تاريخي و ينقلنا الي دائرة واسعة خارج الزمان ومن تأويلات هذه الرواية انها اجابة علي سؤال ماذا يحدث عندما ينشغل الحاكم بحياته الخاصة و كيف يكون حال مدينته ؟ ..و هنا انتج مدينة تاريخية تنطبق علي الآلاف المدن التي ينشغل فيها القائمون بأماكنهم المنغلقة عليهم مضيفا انه يمكن التقاط نوعين من الامكنة لدي محفوظ وهي القاهرة القديمة و اخري غير معروفة وتاريخية . واوضح ان قدرة السارد علي تقديم اشارات مكانية ليست المقصودة لذاتها وانما هي رمز او احالة لشخصية ما وفي الكرنك المقهي متعدد الابواب و يطل علي الشارع مما يضعك امام دلالات والنافذة المتكررة في اعماله وهي عنصر نفسي لديه تكشف للقارئ شخصية الواقف امامها وكذلك مجموعة من الجوامد مثل المذياع في زقاق المدق و الصورة الموجودة في رواية السراب و المعلقة في العيادة واخري البيت وهي قراءة لثقافة المجتمع التي يمكن ملاحظة التغيرات التي مرت بها من خلال الصور القديمة والجديدة. وقال الناقد عمر شهريار و الباحث الاكاديمي ان نجيب محفوظ من الكتاب الكبار الذي تحتاج اعماله الي عدد كبير من النقاد لبحث جماليات كتابته وخصائصها ولا يمكن لاحد ان يكون مطئنا بأنه فهم كل اعماله وهناك طوال الوقت محاولات للتسكن النقدي واري ان العبارات التقليدية مثل كاتب الحارة المصرية او انه وصل الي العالمية بعد الاغراق في المحلية هي عبارات لا تدل علي ادب محفوظ فهو ادب انساني ومعني بالوجودية و بالفلسفة ولديه ابعاد كثيرة يمكن ان تشغل الاخر و الفيلم المكسيكي لزقاق المدق هو نقاط التماس انساني مع الاخرين وتشايهات اماكن و شخوص وهذا الصراع الطبقي والعلاقة مع الاخر ونجيب محفوظ يضع ابطاله دائما في مكان محدد ثم يجعلهم يخرجون منه او يوقعهم في مشكلات مثل سعيد مهران ومقابلته لرؤوف علوان وهذا الخروج من القوقعة وفتح مناطق مغايرة مما يشكل وعي التغيير والانتقال من الفضاء الطبيعي للشخصية والاصطدام بهذا العالم.