لم تكن قضية العثور علي الطوب الأحمر في صناديق الأجهزة الطبية بمستشفيات المنيا الجامعية حدثاً عارضاً يحدث للمرة الأولي ولن تكون الأخيرة أو في المنيا وحدها دون سائر المستشفيات الجامعية وغير الجامعية.. لكن المهم هو ما كشفت عنه تلك الجريمة من كوارث يومية تشهدها معظم - إن لم يكن كل - مستشفياتنا الجامعية لا تتمثل في جرائم اختلاس أو إهدار مال عام فحسب.. وإنما الأمر أكثر خطورة من ذلك بكثير.. فما تشهده تلك المستشفيات يومياً من إهمال وتقصير وصراعات داخلية يستحق التوقف أمامه.. لأن الأمر هنا يتعلق بحياة المواطنين الأبرياء الذين يبحثون عن رعاية طبية جيدة ولا يجدونها في تلك المستشفيات التي من المفترض ان تكون أفضل حالاً من مستشفيات وزارة الصحة. ولاشك انه بعد افتتاح كليات للطب في معظم الجامعات الاقليمية بالمحافظات وإلحاق مستشفيات جامعية بها استبشر أبناء تلك المحافظات خيراً اعتقاداً منهم انها ستقدم لهم تشخيصاً سليماً لامراضهم علي ايدي كبار الأطباء ويلقون فيها رعاية طبية مميزة في حدود امكانياتهم المادية المحدودة كما تغنيهم عن عناء السفر إلي مستشفيات العاصمة.. لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.. حيث تفرغ كبار الأطباء بتلك المستشفيات للصراعات والخلافات علي المناصب القيادية وغاب الكثيرون منهم عن الحضور وأهملوا في أداء مهمتهم الانسانية وتركوا الأمر لصغار الأطباء الذين يفتقدون للخبرة التي تؤهلهم للتشخيص وتقديم العلاج المناسب.. بحجة انهم لا يحصلون علي مقابل مادي لهذا العمل!!.. أما عن حال بعض تلك المستشفيات فحدث ولا حرج.. لا أسرة ولا تجهيزات ولا أدوية ولا نظافة ولا رعاية تذكر وعندما ينتقد أحد المرضي هذه الأوضاع تكون الإجابة الحاضرة نحن مستشفيات تعليمية في المقام الأول ولسنا علاجية واننا نستقبل مئات المرضي يومياً الذين تتم إحالتهم لنا من مستشفيات وزارة الصحة!! قطعاً المنظومة كلها تحتاج إلي إعادة نظر وبدء تطبيق تشريعات جديدة وقانون خاص للمستشفيات الجامعية ووضع لائحة تنفيذية تنظم العمل وتعطي صلاحيات لقياداتها وتمنح أطقم العاملين بها حقوقهم وفي نفس الوقت تحاسبهم علي تقصيرهم حتي يتم تحقيق أهداف تلك المستشفيات من تعليم وتدريب وعلاج وبحث علمي.. وفوق كل ذلك تخصص لها الدولة جزءاً من الموازنة العامة يلبي احتياجاتها.. فليس مجدياً ان نسمع كل فترة تصريحات وأقوالاً لكل مسئول يتولي شئون تلك الجامعات أو المستشفيات بأنها تأتي علي رأس أولوياتهم وسيبذلون أقصي جهودهم لتحسين الأوضاع ثم تكون المحصلة صفراً.. ويبقي الحال علي ما هو عليه بل يكون اسوأ مما كان.. وبدلاً من ان نجد الطوب الأحمر في الصناديق سنجده فوق أسرة المرضي!!