وسط حالة الاحباط ومحاولة البحث عن شعاع للأمل يؤكد أننا نسير علي الطريق الصحيح للخروج من نفق الأزمات والتحديات المتوارثة والمتجددة. أسعدني قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ودراسة حقيقة تصريحات المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن تجاوز تكلفة الفساد داخل مؤسسات الدولة 600 مليار جنيه خلال عام 2015 تمهيدا لإطلاع الرأي العام علي كل ما تتوصل إليه بكل شفافية. وأهمية هذا القرار تنبع أولا من سرعة إصداره بعد أيام قليلة من هذا التصريح اللغز مثل بعض المواقف المحيرة لصاحبه ويرتبط بالسنة الأولي لرئيس جاء بعد ثورة عظيمة استجابة لإرادة شعبية جارفة. ولا يتواني في كل مناسبة وآخرها توجيهاته للمحافظين الجدد ونواب الوزراء عن الدعوة الصادقة لمحاربة الفساد. ثانياً.. استجابة مؤسسة الرئاسة لدعوة كل المخلصين لها ولرئاسة الوزراء بضرورة الاهتمام بما ينشر أو يذاع حتي لا تكون مثل هذه التصريحات وغيرها - إذا لم يكترث أولو الأمر بالرد عليها فرصة لمن يتربص بمصر ومن يروج أنها دولة الفساد ليزرع اليأس في نفوس ملايين الغلابة. 40% تحت خط الفقر. عندما يصدقون أن المليارات من المال العام مستباحة بينما هم يعانون من البطالة والأمراض المزمنة. أيضا.. إذا كانت المؤسسات الدولية.. والأشقاء العرب يقدمون لمصر حاليا مليارات الدولارات كقروض ومساعدات حتي تخرج من أزمتها. فهل نستبعد ألا يدفعها هذا الرقم الرهيب من حصيلة الفساد إذا ترك الأمر بدون رد واضح إلي إعادة التفكير في موقفها طالما ان هذه المليارات تذهب إلي جيوب اللصوص الكبار؟! ثالثاًً.. إذا كان هذا القرار استجابة لما أثاره أحد الحوارات الصحفية فإنني أرجو أن يشمل هذا التحرك الايجابي كل ما تنشره أو تبثه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أيضا من اتهامات للبعض أو عن ثغرات تفتح الباب للفساد حتي تؤكد الدولة احترامها لهذا الدور الرقابي للإعلام وحتي لا يصبح النشر مجرد تنفيس أو استمرار لشعار نظام مبارك الفاسد: "دعهم يقولون ونفعل نحن ما نريد"! رابعاً: أتمني ألا يقتصر عمل هذه اللجنة علي بحث حقيقة التصريح العجيب بل يمتد إلي وضع برنامج شامل وعاجل لتطبيق توجيهات الرئيس بمكافحة الفساد.. الذي امتد بالفعل إلي كل مفاصل الدولة ليشمل كافة أجهزتها بالعاصمة والمحليات والذي تتجاوز كوارثه حجم المبالغ المنهوبة من المال العام أو الرشاوي المدفوعة للموظفين كبارا وصغارا إلي تدمير مقدرات الوطن وإصابة الشرفاء باليأس من الحاضر والمستقبل ودفع شبابه إلي العزلة والاغتراب والهجرة إذا اقتنعوا مثلا بأنه لا مكان لائقا لهم مهما كان تفوقهم إلا بالواسطة والمحسوبية ودفع الرشاوي التي تفتح الباب فقط لأنصاف الموهوبين وفاقدي الأهلية. وإذا وضعنا أمامنا مثلا كارثة تلوث ماء النيل بالصرف الصناعي والصحي وتهريب المبيدات الممنوعة مما يتسبب في نقل الأمراض الخطيرة للملايين ويدمر "الثروة السمكية".. وأيضا كارثة العشوائيات ومخالفة ارتفاعات المباني التي تدمر شبكة الصرف الصحي وكذلك مصيبة اللحوم والأغذية الفاسدة في بعض المطاعم السياحية والمحلات الشهيرة وكارثة الاعتداء علي الأرض الزراعية الخصبة لننفق المليارات بعد ذلك في استصلاح الصحراء مع ارتفاع فاتورة الواردات والاعتماد علي الخارج في غذائنا بسبب تناقص المساحات الخضراء. المؤكد أننا إذا فتشنا وراء هذه الكوارث وغيرها سنجد وراءها فسادا عظيما سواء من خلال الرشاوي التي تدفع لموظفي المحليات أو مفتشي الصحة وغيرهم وتواطؤهم مع المخالفين أو من خلال إهمال كبار المسئولين وصغارهم وعدم قيامهم بعملهم في ضبط وحصار هذه المخالفات ومحاسبة المخالفين والمرتشين وهو فساد أيضا. خامساً.. أتمني من اللجنة أن تطلق الدعوة لمراجعة كل التشريعات الحالية لسد الثغرات التي تساعد الفاسدين علي الهروب بجريمتهم دون عقاب ومنها مثلا المادة التي تسمح بتبرئة الراشي أو الوسيط في جرائم رشوة الموظف العام أو تخفيف العقوبة إذا اعترف أي منهما بكل وقائع الجريمة وهي مادة عجيبة يمكن قبولها إذا كشف أحدهما عن الجريمة متطوعا قبل ضبط أطرافها بالفعل وبالتالي كيف نكافئه بعد وقوعه ليتحول الجاني إلي "شاهد ملك" بل إن الوسيط يكون أحيانا هو الشيطان الذي أغوي الراشي والمرتشي بأن يفعلا ذلك وهو ما حدث مثلا في قضية رشوة وزير الزراعة حيث اقنع محمد فودة محترف التوسط في الرشاوي والايقاع بالمسئولين ضعاف الذمة رجل الأعمال بدفع ما يطلبه الوزير في سبيل تقنين الأرض التي يزرعها بالفعل منذ سنوات دون أن تستجيب الوزارة لطلبه بتمليك الأرض له رغم توافر كل الشروط.. ولنا أن نتخيل حجم الاحباط والرسالة التي تصل للناس خاصة الشباب عندما يفلت فودة من العقوبة ويخرج لنا لسانه ليستمتع بحرية البحث عن ضحية جديدة لغوايته؟!! والمؤكد أن مشكلة تقنين الأراضي الصحراوية ووضع اليد بعد زراعتها تمثل الباب الملكي للفساد خاصة انها ترتبط بنحو مليون فدان في كافة المحافظات حيث يشترط القانون أن تزرع الأرض أولا لفترة معينة ثم تقوم لجنة من هيئة التعمير بتقنين الأرض وتحديد سعرها تمهيدا لتمليكها وبالطبع بعد أن ينفق المزارع مبالغ هائلة علي الاستصلاح والزراعة فإن حلم حياته يكون في التقنين لتكون الفرصة الذهبية للابتزاز والرشاوي.. ورغم كل ما ينشر بالصحف عن خطورة هذه الظاهرة وضرورة سد باب الفساد الذي تفتحه علي مصراعيه إلا أن الوزارة والحكومة لم تتحرك بجدية لحل مشكلة المزارعين والمستثمرين الشرفاء وحمايتهم من ابتزاز المرتشين!! سادساً.. عندما تفشل الدولة في تحصيل مستحقاتها التي تتجاوز 100 مليار جنيه ممن سرقوا أراضي مصر وحصلوا عليها من النظام الأسبق الفاسد بملاليم وبدلا من استصلاحها وزراعتها حولوها إلي منتجعات وباعوها للأثرياء.. وحين تتبخر الوعود بانذار أصحاب هذه المنتجعات وتحصيل المخالفات بكل الوسائل علي مدي سنوات وبدون أي إجراءات صارمة حتي الآن.. وعندما تفشل كل الحكومات السابقة منذ ثورة يناير في استرداد مليم واحد من الأموال المهربة للخارج رغم ما تكلفته اللجان المتعددة في سفريات عبثية فإن ذلك وغيره من الأمثلة يعطي رسالة سلبية تؤكد ان مافيا الفساد أقوي من الدولة بكل أجهزتها وتشريعاتها! إذا كانت المؤشرات الأولي لعمل اللجنة الرئاسية تبشر بالأمل فإنني أتعشم أن تقوم الدولة بتطبيق أبسط بديهيات الإدارة وهي إثابة المجتهد والمخلص وحماية الشريف ومن يتصدي لأي انحراف بدلا من أن يتحول إلي ضحية ليكون عبرة لأمثاله من "الرومانسيين" ويكمل ذلك بالطبع إعادة فضيلة المحاسبة الغائبة حتي يعرف كل فاسد أو مهمل أو حتي محترف "التزويغ" من عمله واستحلال راتبه ب"الاستهبال" والفهلوة انه لن يفلت أبدا من العقوبة.. أو علي الأقل أن تطبق الدولة المثل الشعبي: "إضرب المربوط يخاف السايب". كارثة غياب صيانة مواسير الغاز !! في حادث انفجار احدي الشقق في شارع فيصل بالجيزة. حامت الشبهات حول وجود تسرب في مواسير الغاز.. وهنا لابد أن ندق جرس الإنذار مرة أخري حول خطورة توقف أهم نظام كانت تطبقه شركة الغاز منذ 5 سنوات تقريبا حيث كان أحد الفنيين يزور كل شقة بمعدل مرة كل 6 شهور للتأكد من سلامة المواسير والتوصيلات للغاز والسخان بجانب الفحص الدوري للتوصيلات الخارجية بالعمارات.. أما الآن فإن الشركة توفر قيمة تكلفة هذه الخدمة رغم مضاعفة قيمة الفواتير!! وبالتالي إذا كنا قد خسرنا في هذا الانفجار قامة قضائية كبيرة وهو المستشار رشوان حسين نائب رئيس مجلس الدولة مع ضحيتين أخريين و17 مصابا. فلابد أن يدفعنا ذلك إلي إعادة نظام الصيانة الدورية لمواسير الغاز حتي لا تقع كوارث أخري تحصد العشرات أو المئات خاصة ان مصائبنا الأخري علي جبهات الإرهاب وحوادث الطرق وغيرهما لا تتوقف و"المشرحة موش ناقصة قتلي"!!