** السباحة في عقل الآخر محفوفة بالمخاطر لا تعطيك فرصة للتأمل وقد تدفع بك بعيداً عن شاطئ الموضوعية ولكن بريق الكلمة يلزمك بالابحار نحو الشاطئ لتقصي الحقيقة أو الكشف عنها واستعادة ما يمكن استعادته من وقائع جديرة بالتسجيل وعندما تتعلق تلك الوقائع بكاتب مرموق بحجم "شيخ الكتاب" أستاذنا محمد العزبي فلابد للأجيال الصحفية الصاعدة ان تستمع وأن تقرأ وان تفهم ان ما يصدر عن الاستاذ محمد العزبي من سرد وقائع حقيقية شهدتها أروقة الصحافة المصرية المعاصرة. هي بمثابة شهادة حية لابد من تسجيلها والرجوع إليها إذا ما أردنا التأريخ للصحافة المصرية في سنوات ما بعد ثورة يوليو عام 1952 وحتي سقوط نظام مبارك بمطلع عام 2011 فكم حرص الاستاذ العزبي علي الانتصار لحرية الرأي واستطاع بما حباه الله من فطنة وأدب جم وثقافة رفيعة مغلفة بحكمة السنين ان يحظي باحترام وتقدير الجميع. لذا كان طبيعياً ان يحظي كتابه الجديد بعنوان "الصحافة والحكم" باهتمام الوسط الصحفي. ودعوني أفاخر بأني أحد تلاميذه الذين استفادوا من توجيهاته وتابعوا مقالاته ونهلوا من معين ذكرياته وغاصوا بين سطوره بامتداد سنوات طوال وازعم اني قرأت مجموعة من المقالات الواردة بين ضفتي الكتاب المذكور فور نشرها ولم يخطر ببالي للحظة انها ستصدر في كتاب إلي جانب مجموعة مقالات أخري فالأستاذ العزبي القيمة والقامة لم يكن حريصاً علي تحويل ابداعه القلمي إلي عناوين في المكتبة العربية رغم فرص النشر المتاحة بامتداد مسيرته الصحفية الثرية ولو أراد لتعددت مؤلفاته ولكنه ظل حريصا علي متابعة اصدارات الآخرين والاحتفاء بأصحابها تاركاً مهمة اصدار مؤلفاته لآخرين. ** يا صاحبة الجلالة كان أحد خمسة عناوين اختارها الاستاذ العزبي لكتابه الجديد وهناك مفهوم خاطئ عند البعض بأن مادة الكتاب من مقالات منشورة فقد كتب الاستاذ بالفعل حوالي ثلث المقالات الموجودة بالكتاب كنواة لهذا الاصدار وحالت ظروفه الصحية من استكمالها ولكن حرص "الجمهورية" علي طباعة الكتاب اضطره إلي الاستعانة بكم كبير من مقالاته القديمة سواء المنشور منها أو تلك التي لم تنشر لأسباب صحفية وليست سياسية لعل أهمها تراجع الاستاذ عن نشرها في حينه. في إهدائه للكتاب حرص الاستاذ العزبي علي تقديم الشكر والعرفان للصحفي أيمن الحكيم علي جهده الملموس في جمع المقالات المختارة وتبويبها بمساعدة الابن سامح محمد العزبي وواقع الحال ان علاقة الصحافة بالحكم لا يمكن اختزالها في عدة مقالات ومن مصدر واحد فهذه فكرة صحفية جانبها الصواب وغير مطابقة لمضمون المادة المطبوعة ولو سلمنا بوجهة النظر الصحفية القاصرة لاختلط الحابل بالنابل. فالضمير له ألف لسان واللسان عليه الف حكاية كما قال شكسبير والموضوعية التي يتسم بها شيخ الكتاب المصريين استاذنا محمد العزبي كانت تستوجب الحرص علي الالتزام بأحد العناوين الخمسة التي اقترحها لكتابه..! ** آخر الكلام: توقفت طويلا أمام مقال الكتاب الصحفي الكبير الاستاذ سليمان قناوي المنشور بجريدة الأخبار تحت عنوان: حال الصحافة المصرية في 75 عاماً وتناول فيه ثلاث حكايات صحفية ذكرها الاستاذ محمد العزبي في كتابه للدلالة علي انتشار البصاصين في بلاط صاحبة الجلالة أبطالها هم الاساتذة "فتحي غانم أمير اسكندر أحمد بهاء الدين" سأل أحمد بهاء الدين الاستاذ ممدوح سالم وزير الداخلية وقت ذاك عن احقر مهنة علي حد تعبيره وهي مهنة "التجسس علي الزملاء" وكان نص السؤال كالتالي: لماذا تعتمد أجهزة الأمن علي تقارير يقدمها صحفيون من الفاشلين والكاذبين..؟ واجاب ممدوح سالم رئيس الحكومة فيما بعد بالحرف الواحد: إيدي علي ايدك. هات لي صحفي محترم وموهوب يرضي يشتغل "ناضورجي". هكذا قال.