ضعف الإقبال علي انتخابات مجلس النواب هل يمكن اعتباره مؤشراً علي عدم رضا الناخبين عن المرشحين لهذا البرلمان.. أو علي العملية الانتخابية برمتها.. أم هو علامة فتور لكثرة الاستحقاقات الانتخابية بعد ثورة يناير.. أم أن كثرة المرشحين وغياب البرامج الانتخابية وضعف الأحزاب السياسية وخلوها من الكوادر والوجوه المؤثرة وراء هذا التراجع في الإقبال مقارنة بانتخابات الرئاسة الأخيرة. رأيي أن المشهد الانتخابي برمته في حاجة لدراسة وتحليل كافة جوانبه لوضع حقائق لا تقبل التشكيك أوالمزايدة.. دراسة علمية تجيب عن أسئلة مهمة مثل نوعية المرشحين وانتماءاتهم ومستوي تعليمهم وأعمارهم وكذلك الناخبين. لعلاج أي سلبيات قبل أن تتفاقم مستقبلاً والإفادة من دروسها في انتخابات المحليات التي تتجه الأنظار إليها عقب انعقاد أولي جلسات مجلس النواب. 1⁄4 الإقبال علي الانتخابات قوة أو ضعفًا لا يصح اجتزاؤه من سياقه ولا اعتباره استفتاءً علي شعبية النظام أو الرئيس. ولا مؤشراً علي الرضا أو السخط علي البرلمان الجديد.. فالنسب العالمية تتراوح بين 20 و40% وقد تخطت معظم محافظاتنا الحدود الدنيا العالمية.. وباستثناء القاهرة فإن النسبة تبدو مقبولة قياسًا بظروفها. وفي كل الأحوال فإن البرلمان صار واقعًا صنعته إرادة الشعب. رضي به البعض أو لم يرض..وقد صار بالفعل سلطة تشريعية تكتمل بها مؤسسات الدولة وخارطة طريقها. وتسبغ المصداقية علي دولة 30 يونيو أمام العالم الذي لا يقتنع إلا بالمؤسسات السياسية الناشئة عن الانتخابات والمعبرة عن خيارات الشعوب.. سلطة تشريعية تراقب الحكومة وتحاسبها طبقًا للدستور الذي منحها صلاحيات غير مسبوقة. وأيا ما تكن ملاحظات أو تحفظات البعض عن ملامح وبيئة تشكيل هذا البرلمان فإن أنظار الملايين تتطلع إلي جلسته الإجرائية الأولي ليروا أداء نوابهم الذين اختاروهم بمحض إرادتهم ليمثلوهم تحت قبة البرلمان.. تتطلع الملايين لاختيار رئيس مجلس النواب ووكيليه وكذلك رؤساء اللجان فيما بعد.. ولا تزال في حلوقهم مرارة من أداء برلمان 2012 ذي الأغلبية الإخوانية خصوصًا في جلسة أداء اليمين الدستورية وما صاحبها من مهازل ومهاترات وسقطات خرج بها البعض عن روح الدستور ونصوصه حين جري العبث بصيغة القسم الدستوري الملزمة والاستهانة بلائحة المجلس فأضاف من عنده ألفاظًا عليها. فمنهم من أضاف عبارة ¢وبما لا يخالف شرع الله¢ أو عبارة ¢حتي إكمال مطالب الثورة¢ بل إن بعضهم بلغت به المزايدة علي الثورة مداها فطالب بالقصاص من قتلة الشهداء ومحاكمتهم في ميدان التحرير.. متجاهلين سلطة القضاء التي بيدها تطبيق القانون وعقاب الجناة بما توفر لديها من وقائع وأدلة ثبوتية بعيدًا عن مغازلة الشارع أو التأثر بما يجري علي الساحة السياسية.. ولم يتورع هؤلاء النواب في إهدار مبادئ الدستور وإهانة عضوية البرلمان والتدخل في أحكام القضاء وإهدار قدسيته. كانت جلسة إجراءات برلمان الإخوان إن صح التعبير مهزلة مأساوية. إذ لم يكن هناك سبب معقول لاختلاق خلاف وهمي فرض نفسه علي تلك الجلسة اللهم إلا استعراض القوة ومغازلة الشارع والشو الإعلامي الذي ساعد عليه إذاعة الجلسة تليفزيونيًا. وهو ما أساء لصورة هذا المجلس. وفضح ممارسات أعضائه. وكشف عن حقيقة نواياهم تجاه الوطن.. الأمر الذي حرك أسئلة عديدة لدي الجماهير العريضة فإذا كانت البداية خلافًا علي إجراءات شكلية لا جدال فيها فكيف سيتوافقون علي الحلول والبدائل في القضايا الخلافية والأزمات المزمنة التي تعرقل التنمية والنهوض بالبلاد.. والحمد لله أن المهزلة لم تستمر طويلًا إذ سرعان ما حل المجلس بحكم الدستورية العليا الذي أسدل الستار علي أسوأ برلمان عرفته مصر في تاريخها الحديث. وما نأمله أن يقرأ النواب الجدد دروس الماضي وتاريخ البرلمانات السابقة وكيف أن ما بقي منها في أذهان المواطنين هو أداء برلمانيين عظام أخلصوا الولاء لهذا الوطن فخلد التاريخ ذكرهم.. نرجو أن يحسن النواب الجدد تقديم أنفسهم للداخل والخارج. وأن يبعثوا برسائل تفاؤل وطمأنة علي المستقبل الذي صار في يدهم مفاتيحه..فعليهم تنعقد الآمال في تحقيق عيش كريم وعدالة اجتماعية وحرية وديمقراطية ونهضة منشودة وهذا أقل ما يجب تقديمه ل 30 يونيو التي أزاحت حكم الإخوان ليشرق فجر الحرية ويغمر بنوره الساطع أرجاء البلاد. نرجو أن يبادر النواب بتقديم حسن النوايا. وأن يتنازلوا طواعية عن الحصانة البرلمانية التي تعفيهم من المساءلة أو تجنبهم شر الوقوع فيها. وإذا لم يكن منها بدى فلا أقل من جعلها مقصورة فقط تحت سقف المجلس مادامت الغاية هي خدمة هذا الشعب تشريعًا ورقابة ونقداً لأداء الحكومة تحت القبة نأياً بهم عن شبهات توظيف الحصانة في أغراض مشبوهة أو سبل غير مشروعة خارج المجلس مثلما فعل أذناب الأنظمة السابقة ليمرروا من خلالها مخالفات قانونية أو ليثروا ثراء فاحشًا نظير غض الطرف عن مساءلة الحكومة متنازلين عن رسالتهم في رقابتها ومحاسبتها. وسن التشريعات التي تصب في صالح السواد الأعظم لهذا الشعب والتي تحقق العدالة والمساواة والحرية.. فكيف يستقيم الظل والعود أعوج.. وكيف إذا فسد الرقيب أن تستقيم حصانته؟! لا تزال تحدونا آمال كبيرة أن يغير النواب الجدد ما ترسخ من صورة سلبية لبعض البرلمانات السابقة. أن يقدموا القدوة من أنفسهم في محاربة الفساد وأن يتجنبوا الشبهات وأن يتجردوا من الحصانة بإرادتهم ليقدموا دليلاً لا يقبل الشك علي أنهم ما تصدوا للعمل العام بعضوية البرلمان إلا خدمة لهذا الشعب الذي طال انتظاره لتحسن أحواله.. لا يريدون جزاء من أحد ولا شكورا ولا مغانم ومكاسب. يحدونا الآمل أن يكون النواب الجدد للبرلمان وأكثرهم يدخله لأول مرة علي قدر التحديات الداخلية والخارجية لدولة تحوطها المخاطر من كل جانب. وتحتاج لعمل مضني من الجميع. أن يكونوا هم قدوة الشعب في إنكار الذات ونبذ الجدل والصراع. والإصرار علي الحق مهما يكن مرًا. وأن يراقبوا حتي أنفسهم فلا تزل أقدامهم إلي مواطن الحرام خاصة أن منهم من بالغ في الإنفاق الانتخابي بصورة غير مسبوقة. والأمل كبير أن يبادروا طواعية بالتنازل عن جزء مما يحصلون عليه من بدل الجلسات والمكافآت لصالح الشهداء والمصابين عرفانًا بما قدموه من تضحيات لمصر وأهلها. أو دعمًا لصندوق تحيا مصر الذي يحاول تعويض نقص الميزانية وإنقاذ البلاد والعباد من الأزمات والطوارئ كما حدث في أزمة الأمطار بالإسكندرية والبحيرة وغيرهما. يحدونا أمل عريض أن يخطو نوابنا الجدد خطوات أبعد علي طريق الشفافية والمصداقية وتقديم القدوة الحسنة بأن يبادروا إلي تقديم إقرار ذمتهم المالية قبل اكتساب عضوية البرلمان والحصول علي الكارنيه وحتي نهاية فترة ولايتهم النيابية.. ليعرف الناس ماذا أضافوا لثرواتهم وكيف استغلوا حصانتهم.. ساعتها فقط يمكن أن يكونوا قدوة للحكومة ومسئوليها في كل موقع وحتي يتسني للنواب إلزام أعضاء الحكومة بالشيء نفسه عند تولي مناصبهم وعند مغادرتها.. وتلك هي البداية الحقيقية لإقرار دولة القانون والشفافية ومحاربة الفساد وتجفيف منابعه. البرلمان الجديد هو سفينة الأمل التي يتمني المواطنون أن تنقلهم من حالة السيولة السياسية والارتباك والانقسام والفرقة والمزايدات الرخيصة إلي حالة الأمن والاستقرار.. ولهذا فإن ما ينتظره المواطن من برلمانه كثير وعظيم لو تعلمون.. ينتظر الناس أن يعيد البرلمان بلداً ذا حضارة عريقة إلي مكانها ومكانتها المستحقة فاعلة في التاريخ مؤثرة في الحضارة الإنسانية. وما يستلزم ذلك من جهود خارقة لتنمية البشر والحجر ودعم الدولة في تحد التحدي. وتلك ولا شك مهمة شاقة تحتاج إلي وعي ورشد وعزم لا يلين. نرجو للبرلمان الجديد ألا ينشغل كسابقه بفرعيات الأمور وسفاسفها ولا بالمصالح الفئوية والشخصية.. وعليه منذ اللحظة الأولي وهذا واجب الكتل المتماسكة داخله. حزبية أو مستقلة. أن يضع أجندة عمل للبرلمان تشريعًا ورقابة وبدائل للحلول بأسلوب علمي كما يحدث في البرلمانات الديمقراطية المتقدمة.. أن يحدد واجبات الوقت وأن يسخر لجانه وإمكانياته لخدمة تلك الأهداف وفق جدول زمني لا يحيد عنه.. وأن تكون اهتمامات المواطن البسيط علي رأس أولوياته. المرحلة الحالية لا تحتمل ترف الجدل وموبقاته. فالدولة تواجه إرهابًا شرسًا وضغوطًا خارجية ترقي لدرجة التآمر.. وكفي ما دفعته مصر ولا تزال من فواتير باهظة جراء المسارات الخاطئة التي أفضت إلي نهايات سيئة.. وقد آن الأوان لمحاسبة من ورطوا مصر فيها بلا ضمير رغم التحذيرات والنصائح. الشعب يريد تحويل دستوره وترجمته لإجراءات علي الأرض.. يريد أن يري ثمرات ثورة 30 يونيو تحسنًا في المعيشة والتعليم والصحة..الشعب تغالبه أشواق إلي إصلاح يقتلع الفساد من جذوره..يريد للمشهد السياسي أن يرقي لمستوي طموحه.. أن تنضبط موازينه وتعتدل كفتاه وتنسجم مكوناته حتي تتوحد جبهته الداخلية.. فلا مكان بعد البرلمان المنتخب لأي كيانات موازية أو تشكيل معارضة خارج البرلمان.. وهذا دور نوابه في ترجمة آمال الشارع واستشعار آلامه قبل أن تتفاقم. وأن يضمدوا الجراح ويجمعوا الشمل. ويعيدوا الأمور لنصابها والمجتمع لتماسكه وصلابته. نرجو أن ينهض النواب بأعباء المرحلة وهي لو تعلمون عظيمة وخطيرة تتطلب الإلمام بالسياسة والقانون وفهم الأولويات والتصدي لها وليس تأجيلها أو الهروب منها. الشعب يريد اقتصاداً متعافيًا واستثمارات متدفقة وفرص عمل وصرفًا صحيًا وانضباطها للأسعار بطريقة دائمة.. وهذا واجب البرلمان. دعونا نتفاءل بالبرلمان الجديد وأن نؤجل الحكم عليه حتي نري أداءه رأي العين.. ويكفي أنه برلمان لفظ المتاجرين بالدين وهزمهم شر هزيمة. وعلينا أن نستفيد من أخطائنا الانتخابية خاصة ما يتعلق بالمال السياسي الذي تجاوز الحدود المقبولة وانتهي إلي شراء الناخب والمرشح معًا .. علينا أن نزيد وعي الناس وقدرتهم علي الاختيار في الانتخابات المقبلة.. ولتكن البداية بالمحليات.. وكفي أن أصبح لدينا برلمان منتخب بلا تزوير أو تدخل الحكومة. برلمان يعبر عن إرادة الناس بلا وصاية.. وتلك بداية ينبغي أن نكملها لا أن نصادر عليها قبل أن تبدأ..!!