استمعت إلي مناقشة حادة بين أحد الأطباء وأحد المرضي حول جنيهات قليلة لإجراء عملية. والحقيقة كم أحاطتني الدهشة وتملكني الذهول. فالمريض في حالة يُرثي لها والجنيهات القليلة لن تضيف للطبيب مالاً أو جاهاً أو مكانة لكنها قد تشكل أزمة للمريض الذي أعياه الفقر والمرض وقلة الحيلة أو من حوله من الأهل زاغت الأبصار من هذا الكم من الأوراق والتحاليل والأشعة والتوقيعات والأظرف الصفراء والحمراء "شنطة أوراق" متنقلة لا يعرف عنها شيئاً سوي أن "البيه" طلب هذا! بالمناسبة كلمة "البيه" أو "الباشا" ليست تعليقاً مني. فهي رصد لما شاهدته بنفسي بل إن بعض الأطباء يفرح جداً بلقب الباشا! وما علينا من الباشا أو البيه. فما يدعوك للدهشة والألم حقاً. ان بعض الأطباء يحملون حجراً صلباً في قلوبهم يحملونه معهم أينما ولوا وجوههم. في المستشفي. في العيادة. في المراكز الطبية. وتحضرني بعض المواقف التي ترسم صورة لهؤلاء الذين جعلوا من الطب تجارة مربحة أكثر منها مهنة سامية. طبيب يطلب كماً من الأشعة والتحاليل بداع ودون داع. ولا يجهد نفسه في السؤال عن هذا الجيب الخاوي والقلب الضعيف والوجه الذي كسته علامات العجز والمرض والفقر والجهل أيضاً. ذلك القلب الواهن الذي سيقوم بدفع ثمن كل هذه الأشعة والفحوصات والتحاليل. وليت الأمر يتوقف علي هذا. فالطبيب قد يحول المريض علي مركز معين نظراً لتبادل المصالح والمنفعة بينهما. ولا يفكر لحظة في أن هذا المركز ربما يكون بعيداً عن المريض أو مجهداً أو مكلفاً أو. أو.. ولعل الأمر قد يتطور إلي أن الطبيب الزميل قد يطلب إجراء هذه التحاليل والأشعة وووو! من جديد بحجة التأكيد أو انه يشك في شيء ما أو التاريخ قديم أو لتحويل المريض إلي صديق آخر أيضا. طبيب يأمر وتأمل كلمة يأمر المريض بشراء الأدوية من صيدلية معينة أيضا تطبيقاً لنظرية تبادل المنافع والمصالح! والويل كل الويل للمريض لو فكر المريض في مراوغة أؤ هروب أو عدم استجابة للأمر فبعض المرضي بتلقائية وبساطة وعفوية و"غُلب" يقولون: "المهم نكشف ونشتري من أي مكان هو الدكتور هيعرف منين"! عزيزي المريض المصري الطيب لازم تشتري من المكان المحدد لأن "الباشا" سيراجع بنفسه علبة الأدوية ليس اطمئناناً علي مطابقتها للروشتة كما قد يتوهم بعض الغلابة بل اطمئناناً علي نفسه وسيتأكد من ختم الصيدلية! وسلم لي علي مهنة القلوب الرحيمة. طيب تمتليء عيادته بكتل بشرية متجمعة في مكان واحد. ووجوههم تنطق بالألم والحيرة والتمزق والشجن والخوف من المرض والمجهول. الخوف مما سيقوله الطبيب. الخوف مما سيدفعه من نقود. الخوف علي توفير لقمة العيش وقد تركها. أيها الأطباء رفقاً بقلوب المرضي التي أعياها الفقر والألم والعجز. رفقاً بذويهم الذين يكتمون صرخات حية في داخلهم ولا يبثون شكاواهم إلا إلي خالقهم وحده.