¢جباة الأموال بغير حقها ظلمة. والمعتدون عليها ظلمة. والمنتهبون لها ظلمة. والمانعون لحقوق الناس ظلمة. وخصاب الأملاك علي العموم ظلمة.. ووبال ذلك كله عائد علي الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها لإذهابه الآمال من أهله..واعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران وخرابه وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري وهي الحكمة العامة المراعية للشرع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة من حفظ الدين و النفس و العقل والنسل و المال...¢. بهذه الكلمات القوية وضع علامة علم الاجتماع ابن خلدون في الفصل الثالث والأربعون من مقدمته التي كتبها منذ 650 عاما. أسس اقامة الدول وبقائها وعوامل خرابها وتدميرها. فهذا العالم العربي المسلم. الذي تعلم منه الغرب كيف يقيمون حضارتهم وينهضون بمجتمعاتهم بينما تجاهلنا نحن افكاره. يؤكد أن العدل بمفهومة الشامل والواسع هو أساس الحياة بأكملها. وليس أساس الملك فقط. وان العدل ليس مقصورا علي عدالة التقاضي كما يتصور غالبية الناس. فهذه تسمي العدالة القضائية. وهناك أشكال اخري للعدالة قد لا يعرفها المصريون وتكاد تكون مفقوده في مجتمعنا وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية وتتمثل في التوزيع العادل للثروات وأماكن العمل وفرصه. وفرص سد الحاجات المعيشية والطبية والغذائية وبقية ضروريات الحياة. فمصر تعد ضمن الأسوأ عالميا في توزيع الثروات بين المواطنين. واحتلت المركز الثاني عالميا بعد الصين في نسبة صعود اللامساواة في توزيع الثروات بين الأثرياء والفقراء خلال الفترة بين عامي 2000 - 2014. وفقا لتصنيف أصدرته شركة ¢كريديت سويس¢ السويسرية والذي شمل 45 دولة متقدمة وناشئة. ويظهر التصنيف ان 10% من المصريين يستأثرون ب 61 % من ثروات مصر عام 2000. صعدت إلي65,3% عام 2007. ثم إلي 72.3% عام 2014. وأبسط نموذج لسقوط هذا النوع من العدالة تجلي الاسبوع الماضي في صدمة موظف تخرج في كلية الحقوق قبل 20 عاما ووجد فرصة عمل في الشئون القانونية باحد الاحياء الفقيرة في القاهرة. ومن اجل الحصول علي بضعة جنيهات تعوض قلة راتبه توسط رئيسه لضمه للعاملين المشرفين علي الانتخابات. وتصادف أن رئيس اللجنة التي يعمل بها كان زميلا له في الدراسة وتخرج بنفس التقدير الا انه وجد طريقه الي السلك القضائي وأصبح الان مستشارا كبيرا. وفي اوقات خلو اللجنة من الناخبين "وهي اوقات طويلة" تبادلا الحديث عن الاحوال والاوضاع. فكان الفارق بين القمة والقاع رغم انهما يحملان نفس المؤهل وتخرجا في نفس العام. حتي ايام العمل في الانتخابات يحصل الموظف علي مقابل عشرات الجنيهات بينما يجني المستشار الاف الجنيهات رغم ان الموظف يبذل جهدا أكبر. وللاسف هذه ليست حالة نادرة فهناك مئات الالاف من الحالات المماثلة لتفاوت الدخول والطبقية التي تهدد بانفجار المجتمع المصري. ولكم ان تتصوروا حالة الحسرة التي يعيشها ملايين الشباب من خريجي الجامعات الذين لا يجدون فرصة عمل بينما زملاؤهم المحظوظون الذين حصلوا علي فرص عمل في وزارات سيادية "ارفض هذا المفهوم لانه لا توجد وزارات سيادة واخري من غير سيادة" أو مؤسسات رقابية او مؤسسات وهيئات تتمتع بكوادر خاصة او قطاعي البترول او الاتصالات. ويتبين السقوط المدوي للعدالة الاجتماعية بين المصريين بمجرد أن تدخل مستشفي حكومي او مدرسة تعليم عام او تركب قطار الغلابة أو تزور منطقة عشوائية. هل سمع أحد عن عدالة الحماية الاجتماعية كحماية المعاقين وتحقيق القدرة علي العيش والتعايش مع المختلفين عن الأكثرية. وعلينا أن نري الاوضاع المتردية لحوالي 14 مليون مصري معاق لنتأكد من غياب هذا المفهوم للعدالة. وهناك أيضا عدالة الأجيال وتعني التناغم بين جيل اليوم وجيل المستقبل من خلال التوازن بين التعويض التقاعدي والتأمين التقاعدي. ومن خلال التوازن البيئي والاستفادة من الثروات الباطنية دون النسيان أنها محدودة, ومحاولة اختراع وتحسين أدوات إنتاج الطاقة المتجددة ليتم توريث أرض تُمكن الجيل القادم من العيش عليها. ومن الظلم الفادح الذي يعاني منه المصريون تخلي الدولة بكل سلطاتها عن مسئولياتها وعدم التزامها بالعقد الاجتماعي الموقع مع الشعب.وتري الدكتورة سحر الطويلة. مديرة مركز العقد الاجتماعي. أن مصر تحتاج إلي عقد اجتماعي جديد. لأنه منذ منتصف السبعينيات ومصر تعيش حالة فراغ وغياب للعقد الاجتماعي. موضحة أن العقد الاجتماعي القديم الذي عاشته في حقبة ثورة يوليو يعتبر "عقد إذعان" يقوم علي أن الدولة تتولي تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن مقابل غياب للحريات المدنية. وعلي الرغم من أن هذا العقد لم يتم التفاوض عليه بين أطراف المجتمع والسلطة. فإنه كان يحظي بقبول شعبي. ثم انسحبت الدولة من دورها الاجتماعي منذ منتصف السبعينيات. والكلام أيضا للدكتورة الطويلة. بدون تفاوض أيضا. مقابل انفتاح محكوم ومقيد في مجال الحريات المدنية. قبل أن تدخل العلاقة بين السلطة والمجتمع في حالة الفراغ الحالية.