انتهت بنجاح انتخابات مجلس النواب وتحقق الاستحقاق الثالث لمصر بعد أن ظل المشهد السياسي المصري فترة طويلة كله ضبابية.. أفكار متضاربة.. تصريحات صاخبة.. مناقشات حادة.. دماء متناثرة في زحام الاعتصامات ووسط ضجيج المظاهرات.. وكأنه كتب علي مصر إما أن تعيش في ظل نظام فاسد مرتش.. أو في ظل انفلات أمني.. وعشوائية سياسية.. نتأرجح فيما بين حلم النهضة والرخاء وماضي أليم نحاول الفكاك منه.. وحاضر كان مضطرباً كله أسي وحزن وترصد وتصيد من خلال تيارات تبنت خيار العنف لتوصيف وجهات نظرهم لدرجة الاستحلال الكامل للدم والمال.. فتاهت أحلام التنمية والرخاء بين أسلمة الحياة العامة وأخونة الدولة.. ووساوس الآخرين إلي أن جاء الخلاص. مضي بحمد الله الزمن الذي امتزجت فيه السياسة بالدين فاختلطت الأوراق لتلقي ظلالاً كثيفاً مشبعاً بالضبابية في مجتمع اتسم طويلاً بالسلمية التي حلت مكانها بجدارة الأنانية والمصالح الشخصية والفئوية وأصبحت الأغلبية من الشعب تستشعر ضيق مصر عليهم وأنها لم تعد قادرة علي استيعابهم بعد أن شعروا بالاستضعاف نتيجة أعمال البلطجة ولغة الفوضي وعدم أعمال القانون الذي يحقق السلام المجتمعي. حملوا لنا السيوف والعصي والأسلحة بدلاً من حمل مشاعل التنوير وبرامج التنمية.. أربكوا المشهد السياسي.. صنعوا معارك بين الشعب ومؤسساته.. خلقوا العداء بينهم وبين مؤسسات الدولة.. قضاء وجيش وشرطة وإعلام.. وانقسم الشعب وتصنف.. بهدف أن تبقي مصر تحت سيطرتهم.. عاجزة.. مستكينة.. منقسمة.. مهددة في أمنها واستقرارها.. مقيدة بعجزها وضعفها.. منكفئة علي نفسها. نحتاج في المرحلة الحالية للعمل والانتاج.. لإعلام يتكامل ويتناغم.. ويتنافس بشرف.. يتعامل بحيادية وموضوعية.. يقف علي مسافة واحدة من الجميع.. يكشف الأمراض المجتمعية والسلبيات السياسية بهدف المعالجة لا بهدف تأجيج المشاعر. نحتاج لقوي سياسية ومجلس نيابي وشعب يستشعر أننا نعيش لحظات فارقة من مسار العمل الوطني.. تتطلب أعلي درجة من التوافق لمواجهة التحديات المطروحة.. مرحلة تقتضي أن يتنازل جميع الفرقاء عن جانب كبير من تحيزاتهم ومصالحهم الشخصية ورؤاهم الضيقة.. ليلتقوا في منتصف الطريق.. محققين أهداف الوطن وتطلعات المواطنين في العيش المشترك والعدل الاجتماعي والحرية والكرامة.. وتتمكن من صياغة المستقبل علي أسس متينة دون إحباط أو إخفاق. وليدرك الجميع أن التكاتف هو السبيل الوحيد لتحقيق كل الآمال الاقتصادية والأمنية والحياتية وتحقيق سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة توفر للمواطن حقه الطبيعي في الحياة الآمنة والصحة والتعليم والتشغيل والسكن بعيداً عن الرشوة والوساطة والمحسوبية.. الأمر الذي يستدعي من الجميع أن يعمل ويجتهد. نعم.. نعيش لحظات.. تتطلب الصدق مع النفس.. حتي لا تلعنا الأجيال الحالية والقادمة.. علينا أن نتخلي عن التصادم والتناحر والتنافر والمصالح الشخصية الضيقة.. وأن نكون جميعاً بحجم مصر.. وأن يثبت أبناء مصر للعالم قدرتهم علي امتلاك زمام أمورهم بأيديهم ووحدتهم وريادتهم. ولندرك جميعاً أن قوة الأمة دائماً كانت وستكون في وحدتها وتماسكها وتناغمها وتكاملها.. ودحضها كافة محاولات النيل من وحدتها الوطنية.. وزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد بهدف تحويل نظرهم عن التنمية والعمل.. عن النهوض بمصرنا الحبيبة التي نستظل جميعاً بسمائها.. ونرتوي من نيلها.. ونعيش علي أرضها وترابها.. ونأكل من زرعها وخيراتها.