المؤكد أن عزوف المواطنين عن الذهاب إلي لجان الانتخابات البرلمانية وانخفاض نسبة المشاركين في الإدلاء بأصواتهم في أهم برلمان مصري يمثل علامة استفهام كبري ويتطلب دراسة علمية وسياسية دقيقة حتي يمكن التغلب علي هذه الظاهرة سواء في جولة الإعادة للمرحلة الأولي المقرر لها الأسبوع المقبل أو فيما يتعلق بالمرحلة الثانية من العملية الانتخابية المزمع إجراؤها نهاية الشهر القادم. المؤكد أيضا أن عزوف الناخبين عن الذهاب إلي اللجان بكثافة كما تعودنا خلال السنوات الأخيرة له دوافعه وأسبابه بل ووراءه رسائل مهمة يجب علي المعنيين بها فهمها وإدراكها قبل فوات الأوان والعمل علي معالجة أوجه القصور وتلافيها مستقبلا. الرسالة الأبرز والأهم التي بعث بها المصريون من عزوفهم عن المشاركة في المرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية تتعلق بهذا الكم الهائل من المرشحين للمقاعد الفردية وأنهم رغم كثرة عددهم وعتادهم إلا أنهم لم يستطيعوا إقناع الناخبين في الذهاب إلي اللجان واختيار أحدهم. الرسالة الثانية التي بعث بها المصريون موجهة إلي وسائل الإعلام علي مختلف أنواعها وانتماءاتها وتؤكد فشلها أيضا في توعية الناخب أو اطلاعه علي برامج المرشحين وأن معظمها ركز علي الخلافات بين هذا المرشح وذاك أو دخول آخر واستبعاد غيره من العملية الانتخابية في حين لم تكشف للمواطنين أهمية البرلمان المقبل ولم تفلح في اقناعهم بالمشاركة في العملية الانتخابية . بل وزادت من عملية الإحباط والتشاؤم بين الناخبين حينما أظهرت أن الاختيار بين المرشحين سيكون علي وتيرة الانتخابات الرئاسية بين مرسي وشفيق. وتبقي الرسالة أو الملحوظة الأهم علي عملية الانتخابات التي انطلقت هذا الأسبوع وتكشف أن المرشحين انشغلوا بمواعيد انطلاق العملية الانتخابية وقبول أوراق كل منهم ونسوا الناخبين ولم يكثفوا تواجدهم بدوائرهم إلا مع الأيام القليلة السابقة لعملية الاقتراح ومن هنا كانت النتيجة عزوف الناخبين عن الذهاب للجان لأنهم ببساطة لم يعرفوا أو لم يقتنعوا بالمرشحين. أنا شخصيا أرفض الربط بين عزوف الناخبين عن الذهاب للانتخابات وبين شعبية الرئيس السيسي والسير وراء الإرهابية وقنواتها في الداخل والخارج. فالرئيس ليس له حزب أو مرشح بعينه في الانتخابات حتي نقول إن الناخبين قاطعوها حتي لا يفوز حزب الرئيس أو مرشحه. والشيء المؤكد في هذا الصدد هو نجاح الدولة حكومة وقيادة في اتمام الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة المستقبل التي أعلنت في 3 يوليو 2013 ورغم ثقتنا جميعا في وطنية الرئيس وكفاءته في إدارة السلطتين التنفيذية والتشريعية خلال الفترة السابقة. إلا أنه لا توجد دولة في العالم تعيش أو تنجح بدون برلمان منتخب مخول بسن التشريعات والقوانين ومناقشتها. ومن هذا المنطلق فإن انطلاق العملية الانتخابية وإجراءها يعد نجاحا في حد ذاته. وفي النهاية أقول للأصوات العالية التي ¢ولولت¢ وملأت الدنيا صياحا في الصحف والفضائيات حول ضعف الإقبال وعزوف المصريين عن المشاركة في المرحلة الأولي من العملية الانتخابية. ¢لسة الأماني ممكنة¢ فهناك جولة إعادة الأسبوع المقبل وأصبح المتنافسون فيها أكثر وضوحا بالنسبة للناخبين وبالتالي يمكن الذهاب للجان يكون أكثر كثافة من الجولة الأولي وكذلك هناك المرحلة الثانية التي ستنطلق نهاية نوفمبر القادم ويجب علي جميع المعنين بالعملية الانتخابية من حكومة ومرشحين وإعلام الاهتمام بتوعية المواطنين وحثهم علي المشاركة وعدم السلبية واختيار الأفضل ليس بالنسبة لهم بصفة شخصية وإنما للوطن عامة وذلك قبل فوات الأوان وحتي لها نفاجأ ببرلمان أشبه بالسيرك الإخواني في 2012 أو العودة إلي زمن ¢سيد قراره¢ في عهد الحزب الوطني المنحل.