في الوقت الذي ينشغل فيه المجتمع المصري بقضية الترشح لمجلس الشعب والتنافس بين الأحزاب فإن مصر تتعرض لمؤامرات تستهدف أمنها بل وجودها نفسه. لأن هذه المؤامرات تهدف إلي منع أكبر نسبة من مياه النيل عن مصر التي تعتبر هبة النيل فمن غير مياه النيل فلن تكون مصر ولن يكون المصريون. لقد اكتشفنا تدهوراً في الزراعة وتحويل الأراضي المستصلحة إلي منتجعات وفيلات لكبار القوم أما غالبية الشعب فيعيشون في العشوائيات والمقابر ورأينا كيف يتصارع الشعب المصري إلي حد الموت في طوابير الخبز من أجل الحصول علي رغيف الخبز واكتشفنا تدهوراً في الصناعات فصناعة الغزل والنسيج التي تميزت بها مصر انهارت أمام طوفان المستورد من الصين وغيرها. اكتشفنا تدهوراً في الزراعة وتحويل الأراضي الزراعية إلي عمارات سكنية وضاقت الرقعة الزراعية في مصر. كذلك اكتشفنا أن الشباب المصري من خريجي الجامعات وغيرهم كفروا بوطنهم فغامروا بحياتهم ليغرقوا في بحار العالم ومحيطاته أملاً في الحصول علي فرصة عمل بل وصل الأمر إلي لجوء الشباب المصري إلي أشد أعدائهم في إسرائيل والهجرة إليها. الأخطر من كل ذلك هو تراجع قوة مصر وهيبتها ليس في الخارج فقط ولكن مع أقرب الناس لنا في الدول العربية والدول الإفريقية والتي ساندتها مصر من أجل التحرر من القوي الاستعمارية في فترة حكم مبارك. لتعود تلك الدول إلي أحضان أعدائهم من المستعمرين القدامي والجدد الذين تمثلهم الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل.. وللأسف هذا التراجع كانت مصر هي أحد أسبابه عندما انشغلت بقضايا داخلية لتترك الساحة لإسرائيل وغيرها لتصول وتجول في إفريقيا في غياب مصر وتقلص نفوذها. الشفافية المزعومة خدعتنا من خلال التصريحات الوردية من المسئولين عن ملف نهر النيل. ففي الوقت الذي انشغلنا فيه بالانفتاح الاقتصادي والتنافس علي سرقة أراض ليست بالمئات ولكن بآلاف الأفدنة إلي جانب الاستيلاء علي كل المصانع التي بناها الشعب المصري في ظل ثورة يوليو بعرقه ودمه ليحولوها إلي عقارات ومنتجعات للأجانب ليمتلكوها في كل أنحاء مصر. الغياب المصري إن غياب مصر والدور المصري عن دول منابع النيل نتج عنه وجود أياد خفية للعبث في مياه النيل. تحت مسمي مشروعات تنمية الموارد المائية. غياب مصر عن منطقة حوض النيل نتج عنه إنشاء سدود إثيوبية علي منابع النيل الأزرق دون أي اعتراض مصري علي تلك السدود وقت الإعلان عن تنفيذها. مشكلة مياه النيل من جانب دول الحوض في وسط إفريقيا ليست جديدة فقد نشرنا في الستينيات دراسات متعددة عن التسلل الإسرائيلي في إفريقيا. كذلك كتب جمال حمدان ونبه إلي خطورة ما يحدث في منابع النيل عن كتابه "مذكرات الجغرافيا السياسية" كذلك كشف رشدي سعيد عام 1969 عن محاولات أمريكية للضغط علي جمال عبدالناصر من الجنوب. إننا يجب علينا أن نفكر وأن نتحرك لوقف المؤامرات التي تعمل علي إيقاف ووصول مياه النيل إلي مصر.