منذ أكثر من عامين. تتحدث مصادر فلسطينية عن امكانية حدوث انفجار في الأراضي المحتلة. وقالت إن النيران تحت الرماد. وإن شررها يتطاير من حين إلي آخر. ومن قرية ومدينة إلي أخري. وأن القدس تتحول إلي بؤرة ومركز للانفجار. ومنذ العدوان الإسرائيلي الأخير علي غزة. والصمود في مواجهته. وتزايد العدوانية الاستيطانية في القدس والضفة الغربية. وإصرار بنيامين نتنياهو علي فرض الدولة الدينية. أصبح واضحاً في ظل جمود عملية التسوية. أن استمرار الوضع القائم المريح لإسرائيل وقيادتها لم يعد ممكناً. شواهد ذلك عديدة. وهي المقدمات الحقيقية لاتساع حركة الاحتجاجات الحالية في القدس والضفة. والتي أصبحت تشهد يومياً موكباً جديداً للاستشهاد. كما تشهد علي الجانب الآخر جرحي وقتلي إسرائيليين. في خلال أسبوعين قدمت القدس والضفة وغزة 15 شهيداً وحوالي ألف جريح. ومع ذلك يظل التساؤل مطروحاً هل هذه هبة أو مشروع انتفاضة؟ أو انتفاضة ثالثة. وعلي الجانب الإسرائيلي. لم يعد هذا التساؤل مطروحاً. بل توالت الشهادات بأن هذه انتفاضة. والأسئلة المثارة من جانب مراقبين ومحللين لهم وزنهم. سبق أن أثيرت من قبل. مع بدء كل من الانتفاضتين السابقتين: هل هي مؤقتة أو عمل طويل المدي؟ وهل هي عملية عشوائية أو مخططة ووراءها قيادة؟ من المعروف أن كل حركة احتجاجية لها ظروفها وملابساتها. التي تؤدي إلي انفجارها. والتي تمنحها سمات خاصة. ومن يدقق في مسار الأحداث في القدس والضفة. وفي غزة أيضاً. يجد أن "الانفجار" الحالي في الأراضي الفلسطينية ليس موجهاً ضد العدو الإسرائيلي فقط. بل هو انفجار له رسائل متعددة. منها الاحتجاج علي أوضاع فلسطينية وعربية قائمة. فلسطينياً. هناك غياب الوحدة الوطنية من ناحية. وعدم تحريك عملية التسوية إلي أمام. من ناحية أخري. فضلاً عن تردي الأحوال الاجتماعية بشكل خطير. لدرجة أن نسبة البطالة تصل إلي حوالي 50% خاصة في صفوف الشباب. في مجتمع يمثل الشباب النسبة الكبيرة من سكانه. مع كل ما يتصف به الجيل الشاب من حساسية وعاطفة واندفاع. تجلي هذا في المواجهات التي تجري في شوارع القدس ومدن أخري مع قوات الاحتلال وجحافل المستوطنين. أما علي الجانب العربي. فقد تم منذ سنوات وضع قضية فلسطين "علي الرف". وأصبحت موضع تجاهل رسمي وشعبي. وحتي إعلامي. ومع تحول خطير تمثل في "تقارب" دول عربية ليست لها علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني مع إسرائيل. وتعدد المقابلات بين المسئولين. مما يعني تراجعاً واضحاً في الاهتمام العربي بفلسطين. بحيث لم تعد قضية العرب الأولي. كما كان يردد من قبل. في مقابل ذلك. يجب رؤية المواقف والسياسات العدوانية الإسرائيلية. التي تزايدت وتيرة واندفاعاً علي يدي حكومات اليمين التطرف برئاسة بنيامين نتنياهو الذي توقف حتي عن عملية "إدارة التسوية" وليس عن إنجازها فقط. في حين راحت عجلة الاستيطان تلتهم المزيد والمزيد من الأراضي والديار العربية في القدس والضفة. وضرب نتنياهو وحكومته عرض الحائط حتي بأصوات إسرائيلية لم تكف عن تحذيره من خطر صلفة وعدوانه ووقف التسوية. فمثلاً زعم في زيارة أخيرة للعاصمة البريطانية أنه مستعد لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية دون شروط. وما أن عاد إلي تل أبيب حتي كرر شروطه المعتادة. ومنها الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل دولة يهودية! تصاعد العنف هذه الظروف والملابسات الفلسطينية والإسرائيلية والعربية يجب أن توضع في إطارها الأشمل وهو الإطار الاقليمي والدولي. بما فيه من تفاعلات وتحولات سلبية وإيجابية تصب محصلتها في دفع الانتفاضة إلي الانفجار. وهذا ما شهد به نفر من الإسرائيليين في عدد كبير من المقابلات الصحفية والتليفزيونية. ونبدأ بشهادة عربية مصدرها الإسرائيلي. وهي شهادة خليل الشقاقي مدير المركز الفلسطيني لبحث السياسات. وهي واردة في صحيفة "هارتس" في الرابع من أكتوبر الحالي. حيث قال إنه في بداية سنة 2000 أظهرت الاستطلاعات أنه لا يوجد تأييد كبير للعنف. وفي يونيو 2000 كان ثم تأييد. ونري الآن تزايد مؤيدي العنف. مما يعكس وضعاً واضحاً من الإحباط والتشاؤم. وإذا توافرت شروط فإن الوضع قابل لانفجار كبير. الاستنتاجات والمفردات التي استخدمها الباحث العربي استخدمها في اليوم نفسه 4 أكتوبر صحفيان إسرائيليان كبيران. هما "يوسي يهوشع" و"اليكس فيشمان" في صحيفة "يديعوت أحرونوت" كتب الأول: * جهاز الأمن الإسرائيلي يخشي حتي في مداولاته الداخلية من استخدام كلمة "انتفاضة". * هذه موجة عنف "استخدم هو كلمة إرهاب!" فتاكة تدل أساساً علي فقدان السيطرة الأمنية. * يجب الاعتراف بحقيقة أن الانتفاضة باتت هنا. حتي إن لم تكن تدار بشكل مركزي. أما "فيشمان" فسار علي نهج سابقه. لدرجة أنه ردد بعض أفكاره. وكتب: ** لا أحد في جهاز الأمن يقدر حقاً أنه يوجد وضع جديد كالانتفاضة يعرض السلامة العامة والسيطرة الإسرائيلية في الضفة "الغربية" للخطر. وليس لأحد في جهاز الأمن سيطرة علي عوامل الانفجار البركانية هذه. والتي تصبح فتزيد أكثر فأكثر. ** الهدف اليوم هو القيام بكل ما يمكن كي لا تنتقل النيران المشتعلة في القدس إلي الضفة. ** نحن نقترب من مفترق طرق. مسار يؤدي إلي تطبيق الحياة في الفضة. برفع معظم القيود عن السكان الفلسطينيين. والشروع في المفاوضات. المسار الآخر: إننا نسير نحو مواجهة شاملة. ستجر غزة أيضاً. الانتفاضة الثالثة أما "ناحوم برنياع" في يديعوت أيضاً وفي اليوم نفسه فكان أكثر وضوحاً وصراحة لدرجة انه وضع الانتفاضة الثالثة عنواناً لمقاله الذي بدأه بتأكيد هذه انتفاضة الانتفاضة الثالثة من المهم ان نسميها باسمها لأن عدم تسميتها بالاسم "الصحيح" يسمح للساحة السياسية والعسكرية بالتملص وبالكبت والتهرب من المسئولية وأضاف: هذه اللحظة تشبه في سماتها الانتفاضة الأولي التي بدأت في ديسمبر 1987. وخبت في أوائل التسعينيات. وهي تجري حالياً خلف الخط الأخضر "أي في فلسطين 1948" وفي القدسالشرقية وفي الضفة. من حيث ان الماضي مؤشر للمستقبل. فلن يبعد اليوم الذي تنتقل فيه إلي مدن إسرائيل الكبري. وتتحول من "إرهاب" سكاكين وحجارة وزجاجات حارقة إلي "إرهاب" انتحاريين أي استشهاديين. هل من مزيد؟. قال "بريناع" متذكراً: "يقولون في الجيش: هذه ليست انتفاضة. وهذا نفسه قالوه أيضاً في بداية الانتفاضة الأولي" المقال طويل نسبياً. وفيه تفصيلات كثيرة وزوايا عديدة. لا يملك المرء إلا ان يقفز فوقها. ليصل إلي الختمة التي يتهكم فيها "برنياع" بمرارة علي حال السياحة الإسرائيلية وأسلوب قادتها في تضييع الوقت سدي. ويستشهد علي ذلك بما كتبه مايو 1987 "ديفيد جروكان" في "الزمن الأصفر" وكان عندئذ كاتباً شاباً. ولكنه كشف للجمهور الإسرائيلي حسب تعبير ناحوم غير المكترث النقاب عن انه من تحت الاحتلال الإسرائيلي يتفاعل اليأس الفلسطيني.. ومثل هذا الوضع الذي نعيشه لا يمكن ان يستمر لمدي طويل. وإذا ما استمر فانه يكلف ثمناً طويلاً.. ومضي "ناحوم بريناع" في الاقتباس من "جروكان" وقوله "أخشي من أن يستمر الوضع القائم عشر سنوات أو عشرين سنة أخري. وثمة ما يضمن هذا بامتياز: الغباء الإنساني والرغبة في ألا نري المصيبة القريبة أثق انه ستأتي اللحظة التي نكون فيها مجبرين علي عمل شيء ما. ويحتمل ان يكون وضعنا حيئذ أدني كثيراًپمن وضعنا الآن" ومنذئذ مرت ليس 10 أو 20 سنة بل 28 سنة ليست 44 ثانية صمت بل. 000.8.00.883 ثانية من اللاعمل هذه كلمات "ناحوم برنياع" الذي يضيف: "الغباء الإنساني والرغبة في عدم رؤية المصيبة القريبة لا يزالان يسودان هنا" أي في الكيان الصهيوني. بالطبع فإن "يوسي يهوشع" و"أليكس نيشمان" و"ناهوم برنياع" لا يعبرون عن الاتجاه السائد في إسرائيل. هناك اتجاهات هي نقيض ذلك علي طول الخط. تدعو إلي فتح النيران علي من يحمل حجراً أو سكيناً. وإلي إعلان تهويد المسجد الأقصي. وحكومة نتنياهو وأحزابها ليست بعيدة بل قريبة من هذه الاتجاهات. تساندها. وتؤيدها. بل تتبناها. وهي ب "غبائها" هذا لا تدرك انها تشعل الانتفاضة أكثر وأكثر. وهنا يبقي السؤال: ماذا بعد؟ وإلي أين؟ والراجح انه وجود الحاضنة الفلسطينية والعربية السليمة لهذه الانتفاضة يمكن ان يفتح الباب لمسار مختلف نحو تسوية عادلة. بدلاً من التسوية التي تراوح مكانها. علي الأقل منذ سنة ..1996 هل تذكرون؟ واسلمي يا مصر.