خلال تجولي مع أوائل الثانوية العامة في شوارع العاصمة الإيطالية "روما" سألني أحد الطلاب الذين ينتمون للريف المصري الأصيل: لماذا يهتم الايطاليون بالكلاب ويصطحبونهم معهم في تجولهم بالشوارع ونحن في مصر نقتلهم ونقذفهم بالحجارة؟ قلت له: الغربيون عموما يعتبرون الاهتمام بتربية الكلاب ورعايتهم غذائيا وصحيا ونفسيا أحد مظاهر تحضرهم. فالرفق بالحيوان سلوك حضاري غاب عن بلادنا وشاع في الغرب لأن القسوة سيطرت علي سلوكنا العام تجاه الإنسان والحيوان والنبات والجماد نتيجة التربية الخاطئة والمشكلات النفسية التي نعاني منها. السؤال البريء للطالب فرض علي ذهني الصور المنكرة التي نراها في بلادنا وتجسد ابشع مظاهر الإساءة للحيوان وإهدار حقوقه وقفز علي وجه ذاكرتي صورة "العربجي" الذي اخذ يضرب حماره لدفعه إلي السير بعربته الكارو المحملة بالأتربة بسرعة حتي سقط منه الحمار علي الأرض من التعب والاجهاد. وبدلا من مساعدته علي النهوض رحمة به وحرصا علي حياته انهال صاحبه "قاسي القلب" عليه ضربا بكرباج في يده. مما استفز بعض المارة في الشارع فتجمعوا حول العربة يعاتبون صاحب الحمار علي قسوته الشديدة في التعامل مع حماره ويحاولون إنقاذ حياة الحمار من الموت. وفجأة أخرج "العربجي" مطواة من بين طيات ملابسه وانهال بها علي أحد الذين عاتبوه وفر هاربا ولم يتمكن أحد من الامساك به وانشغل الجميع بمحاولة انقاذ الضحية من الموت!! هذه الجريمة التي شاهدتها أثناء سيري في أحد شوارع منطقة الهرم بالجيزة منذ شهور مجرد مشهد من مشاهد إهدار حقوق الحيوان في مصر.. وبقية مشاهد الإساءة للحيوان نراها جميعا يوميا في الحقول والشوارع والحواري وفي كل مكان نذهب إليه.. أما ما يحدث من إهانة وإساءة الحيوان في المذابح فهو ألاسو حيث يتعامل معها شباب الجزارين بكل قسوة الأمر الذي دفع أكثر من بلد أوروبي إلي الاحتجاج علي إساءة التعامل مع الحيوانات التي تستوردها مصر منها. والتهديد بوقف تصديرها إلي المصريين.. قساة القلوب غلاظ المشاعر الذين يهدرون حقوق الإنسان.. فما بالك بالحيوان. *** هذه الظاهرة المزعجة التي شاعت في بلادنا والتي تجسد ابشع صور القسوة علي الحيوانات والاستهانة بكل أنواعها تكشف مدي تحجر مشاعرنا ومدي تجاهلنا لقيم وأخلاق ديننا. حيث ربانا ديننا العظيم علي الرفق بالحيوان وحذرنا من العقاب الالهي الذي ينتظر قساة القلوب الذين يتعاملون مع الحيوانات الأليفة التي تخدمهم أو يستعينون بها في قضاء مصالحهم بقسوة وعنف. كما وفر ديننا الرحيم لكل الحيوانات كل صور الرعاية والعناية التي تؤكد تحضره ورقيه وإنسانيته.. ويكفي هنا تحذير رسول الله صلي الله عليه وسلم علنا هنا من عقاب إلهي رادع فقد دخلت امرأة النار في هرة "قطة" حبستها لا هي اطعمتها ولا تركتها حرة طليقة تأكل من خشاش الأرض. السلوك العنيف مع الحيوان يجسد ثقافة خشنة تنتشر للأسف بين كثير منا خاصة هؤلاء الذين يتعاملون يوميا مع الحيوانات في حقولنا وشوارعنا ولم تعد النصائح التوجيهات الدينية تؤثر فيهم.. ويبدو ان ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية الصعبة تدفعهم إلي التنفيس عن انفسهم مع الحيوانات التي يتكسبون من ورائها مع أن الواجب أن يتعاملوا معها برحمة. فالحمار الذي انهال عليه هذا الجاهل ضربا لسقوطه علي الارض تعبا وإجهادا هو مصدر رزقه ولو كان لديه عقل ووعي لتعامل معه برحمة باعتباره مصدر دخله. لكنها الحماقة التي "أعيت من يداويها" وتدفع صاحبها إلي الاضرار بنفسه. هذه المشاهد المنكرة لإهانة الحيوانات بكل أشكالها في بلادنا تفرض علي علماء ودعاة الإسلام أن يوضحوا للناس جميعا رفض الإسلام لكل سلوك عنيف مع الحيوان الأليف وغير الضار بالإنسان. بل من جوانب عظمة شريعتنا الإسلامية أنها كفلت للحيوان حقوقه كما فعلت مع الإنسان. وحرمت عليه وهو ذو عقل ووعي أن يتعامل بعبث وعشوائية مع مخلوقات الله المحيطة به. ولذلك لم تبح شريعتنا إلا قتل الحيوان الضار الذي يشكل خطرا علي حياة الإنسان أو كان هذا الحيوان مما أباح الله أكل لحمه والإنسان في حاجة إليه فيذبح ذبحا شرعيا تستخدم فيه ايضا كل مظاهر الرحمة والشفقة. علي علمائنا ودعاتنا أن يوضحوا للناس جميعا ان حقوق الحيوان ومظاهر رعايته تؤكد عظمة شريعتنا الإسلامية وإنسانيتها وتحضرها. وهي تتفوق بعطائها الحضاري ورقيها في التعامل الإنساني مع الحيوان علي كل ما قررته الانظمة الحديثة حيث وفرت شريعتنا للحيوان رعاية تفوق كثيرا ما تقوم به أو تتطلع إليه جمعيات الرفق بالحيوان في الدول الغربية. والإسلام له قيمة وتعاليمه الراسخة في تعامل الإنسان مع الحيوان والجماد. فلا تجوز إساءة استخدام أي شيء من مخلوقات الله. الرحمة بالحيوان من أروع ما جاء به الإسلام. وهذه الرحمة تفوق كثيرا مظاهر الرأفة والرفق بالحيوان التي يتغني بها الغربيون الآن. فهل نعود إلي تعاليم ديننا ونتخلق بأخلاقه لنضفي علي سلوكنا العام كل صور الرقي بعيدا عن تقليد الغربيين؟